عاد الأمير سلطان بعد عام كامل من الغياب عن الوطن ليجد القلوب التي ودعته تنتظره على "أحر من الجمر"، وتغمره بوفائها وصدق مشاعرها.. تمنحه الحب الكبير الذي يستحق ويليق بمكانة الرجل القائد.. عاد "أبو خالد" ومنحنا فرصة الاستماع إلى حديثه وتحليله للقضايا والأحداث الداخلية والخارجية.. عاد متجدداً بخطاب شامل وواقعي مستحضراً معه عناصر "الرؤية والفعل والمستقبل".. "الرياض" تقرأ فيما يلي موقف وصول سمو ولي العهد، و"خطاب العودة".. لحظات الوصول تقدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كبار مستقبلي سمو ولي العهد في أرض المطار، وكان أول المهنئين له بسلامة الوصول والعودة سليماً معافى من رحلته العلاجية.. الموقف الذي نقلته عشرات القنوات الفضائية والتقطته عدسات المصورين لم يكن مجرد مصافحة بين قائدين.. أو أخوين.. لا.. فقد تجاوز ذلك ليمنحا شعبهما مظهراً متجدداً من معاني الوحدة.. وحدة القيادة وهي تخرج مصطفة ومتكاتفة ومترابطة أمام الجميع.. ووحدة الالتزام والشعور بمسؤولية المواطن وتطلعاته والوطن ومنجزاته.. ووحدة الهدف المشترك للبقاء والاستمرار على "نهج المؤسس".. وهي أيضاً رسالة خارجية ترقبها العالم.. واستنطق مشاهدها معبراً عن رصيد متزايد من التلاحم والتعاضد بين أبناء الملك عبدالعزيز وأحفاده.. وهم يقدمون للعالم صورة مضيئة من معاني الأخوة الصادقة.. والقيادة الحكيمة التي تعي أدوارها رغم المؤثرات.. والمتغيرات.. ورغم كل الظروف المحيطة بالمنطقة. مشهد استقبال سمو ولي العهد بعد رحلته العلاجية كان يعبّر عن "حالة فرح خاصة".. لنبدأ أولاً بمن هم في المطار.. فالحشود الكبيرة التي وصلت هناك، وانتظرت ساعات طويلة ترقب لحظة الوصول.. واللقاء.. والعناق.. هي في الواقع تمنح المشهد رمزية خاصة أشبه ما يكون عليه حالة الاستغناء الجماهيري.. أو تجديد البيعة والولاء.. وفعلاً جاءت هذه الأعداد الكبيرة شاكرة لله على فضله وكرمه بأن أعاد إلينا "سلطان الخير" وهو بكامل صحته وعافيته.. ومهنئة بسلامة وصوله.. وفرحة بالتلاحم الكبير الذي يجمعها مع قيادتها. هذه الحشود الكبيرة لم تخرج مدفوعة بامتيازات أو حسابات مصالح، بل خرجت مدفوعة بمشاعر حب صادقة، وووفاء وتقدير وامتنان لرجل منح الوطن الكثير ولا يزال.. وقدم لنا منهجاً نسير عليه في عمل الخير.. ومساعدة الناس ليساعدوا أنفسهم.. بل زرع فينا قيم التضحية والمسؤولية للحفاظ على هذا الوطن. أما من هم خلف شاشات التلفزة يرقبون الحدث المنقول مباشرة، فالمشاعر اختطلت بالدموع وهي ترى "عناق الأخوين" الملك عبدالله والأمير سلطان.. هذه اللحظة التي بكى معها الكثير.. وسالت معها المشاعر إلى الحد الذي ارتفعت معها الأيادي.. وسجدت الجباه شكراً وحمداً لله.. وفي الوقت نفسه منحت هذه الصورة الشعب السعودي نشوة الفرح والشموخ والمباهاة بقيادتها.. ولم يكتفِ المشهد عند هذا الحد.. بل كان العناق بين ولي العهد وبقية أخوانه مؤثراً.. ومعبراً عن صدق المشاعر التي تجمعهما.. وزاد جمالية هذه المشاعر حين اختطلت جمعيها "قيادة وشعباً" في صالة الاستقبال الرئيسية بالمطار، حيث شاهد الجميع الحشود الكبيرة وهي تبحث عن فرصة لمصافحة "سلطان الخير".. البعض استطاع الوصول.. والآخر لم يتمكن من ازدحام المستقبلين.. ويكفي أن يرصد المشاهد حالة الأمير سلطان وهو يبادل التحية من هتف باسمه.. وسلامة وصوله لحظة مغادرته المطار.. كان الأمير سلطان سخياً بمشاعره مع الجميع وهو يودعهم ب "القبلات" التي تتطاير فرحاً من بعيد.. ويشكرهم على حضورهم.. وفي مقابل من وصل إلى المطار ومن شاهد لحظة الوصوف في التلفاز كان هناك فريق ثالث يحتفل بطريقته الخاصة في الطرقات والأماكن العامة.. يحمل معه صور وأعلام المملكة وقيادتها.. يحمل صور ولي العهد.. يحمل معه حب سلطان وهو يذهب من مكان إلى آخر ليشارك الجميع "مواكب الفرح" التي عمت بها أرجاء العاصمة الرياض كما في بقية مناطق المملكة احتفاء بعودة وسلامة سمو ولي العهد. وعلى الرغم من تعدد مشاعر الفرح.. وأماكنها.. إلا أنها اتفقت جميعاً على "حب سلطان".. الرجل القائد الذي يعرف الجميع حجم عطائه وتضحياته.. وجوده وكرمه.. الرجل «المتاجر مع الله» في كل أعماله.. دون رياء ولا سمعة.. "خطاب العودة" تجاوز سمو ولي العهد في "خطاب العودة" آلامه ومعاناته مع المرض طوال عام كامل.. ليتذكر وقوف محبيه ومن سأل عنه.. وعلى رأسهم أخوه خادم الحرمين الشريفين الذي أزجى له في خطابه الشكر والتقدير على مواقفه ودعواته الصادقة.. كما هو الحال بالنسبة لبقية أخوانه وشعب المملكة والقيادة العربية والدولية.. كما أضاف في خطابه معنى جديدا للتعبير عن الفرح حين يكون مشاركة خيرية لمساعدة المحتاجين والمعوزين.. ومشاركة وطنية لتلبية ما يحتاجه الوطن والمواطن من خدمات ومشروعات إنسانية.. الأمير سلطان افتتح خطابه شاكراً لله على نعمه وفضله وشفائه.. ومحتسباً ما ألم به من تعب ومرض.. ولكن الملفت أن هذا الخطاب لم يتوقف عند هذا الحد من التعبير، بل تجاوزه لمناقشة قضايا وملفات داخلية وخارجية، مما يشير إلى أن الأمير سلطان طوال فترة علاجه كان قريباً ومتابعاً لأدق التفاصيل.. وموجهاً في كثير منها.. ومبدياً للرأي والمشورة لخادم الحرمين الشريفين.. الأمير سلطان تحدث في خطابه عن الشؤون الداخلية، وتضمنت الأحداث المأساوية في جدة جراء هطول الأمطار وما واكبها من سيول، مشيراً إلى ثقته في لجنة تقصي الحقائق، ومؤكداً على أنه لن يهنأ لخادم الحرمين بال حتى يتم وضع الحلول الجذرية التي تضمن -بحول الله- عدم تكرار مثل هذه الأحداث، كما تطرق سموه في خطابه إلى تصدي المملكة بحكمة وحزم لعناصر "الفئة الضالة" وكشف مخططاتهم، وما يتبع ذلك من أعمال المتسللين على حدود المملكة الجنوبية. وفي الشأن الخارجي تحدث عن الوضع الفلسطيني داعياً إلى اخلاص النوايا بين الأخوة الفلسطينيين وتجاوز الخلافات والنظر إلى المستقبل للخروج من المأزق، داعياً إلى عمل عربي وإسلامي ودولي جاد ومخلص لتحقيق الأمن والاستقرار في العراق وافغانستان والصومال وباكستان. كما أشار سموه في "خطاب العودة" إلى سياسة المملكة الثابتة والراسخة تجاه معظم القضايا والأحداث الدولية والمحلية.. مؤكداً على أن المملكة تعتز بالإسلام، وهو ما يكرس قيم السلام والحوار والتعايش وعمارة الأرض واكتساب العلوم ورفض العنف والتطرف والإرهاب والانكفاء عن الذات. كذلك نوه سمو ولي العهد بحنكة خادم الحرمين الشريفين التي جعلت منه واحداً من أكثر القادة في العالم تأثيراً في محيطه المحلي والدولي، مقدماً شكره الجزيل لسمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض الذي لازمه طيلة فترة علاجه. هذا الخطاب الشمولي في الرؤية والمعنى يعكس ثلاثة جوانب هامة على مستوى الفكر والفعل والمستقبل.. فالأمير سلطان يقدم لنا رؤية صادقة وواقعية للأحداث والقضايا المحلية والدولية، ومشبعة بالتحليل العميق.. فهو عندما يتحدث عن "كارثة جدة" يعي تماماً أننا بحاجة إلى حلول جذرية وليست وقتية.. وحينما يتحدث عن الإرهاب يدرك أن تعاون المواطن ساهم كثيراً في دجره.. وحينما يشير إلى الخلاف الفلسطيني يعرف سموه أن الحل في "صدق النوايا" ووحدة الصف وجمع الكلمة.. وكذلك الحال في قضايا العراق وافغانستان يدرك الأمير سلطان أن الجهد الدولي ليس كافياً لوحده دون تعاون عربي وإسلامي مثمر. أما عن مستوى الفعل فسمو ولي العهد لم يقدم لنا أفكاراً في خطابه عن قضايا جوهرية دون أن يقدم معها الحلول التي تنطلق في الأساس من رؤية عميقة لما يجري في الواقع.. وهو يمنحنا الحلول التي يرى من طول خبرته وحجم مكانته وتعدد مسؤولياته أنها مشاركة صادقة للتقليل من الأضرار والحد من الأخطاء والتجاوب مع من ينتظر العيش بسلام وأمن ورغد عيش. أما المستقبل فقد تكرس بشكل واضح عند الحديث عن الشأن المحلي، فقد بعث برسالة اطمئنان واضحة للشعب السعودي مؤداها أن المملكة بقيادة خادم الحرمين تعيش ازدهاراً في جميع المجالات.. وسيكون المستقبل مثمراً بالخير والسعادة لكل مواطن.. وسيبقى هذا الوطن شريكاً استراتيجياً على الصعيد الدولي.. ومشاركاً فاعلاً في صياغة قراراته ليس بالامكانات المادية التي يملكها.. وإنما أيضاً بصدق نوايا قائده.. وعزيمته.. ورؤيته الحكيمة.. وعلاقاته المتميزة مع شعوب وقادة العالم. رسالة سلطان الخالدة يقول الأمير سلطان: "في الواقع أنا لا أريد أن أعطي نفسي أكبر من حجمها، ولا أريد أن أقول انني ملم بحاجات الناس، ولا استطيع أن أقول إنني أجيب على كل الناس، لكن الشيء الذي أحب أن أؤكده هو أنني لا أرد طلباً هاتفياً، أو كتابياً، أو لقاء من أي مكان، رجلاً كان أو امرأة، شباباً أو شيباً، بواسطة أو بغير واسطة، لأني اعتبر نفسي خادماً لهذه الأمة.. ولا أعلم أن أحداً سأل عني إلا وأسأل عنه، مريضاً كان أو محتاجاً، أو مظلوماً، أو كان يريد سؤالاً أو جواباً، ولا أقدر أن ألوم نفسي في حق الناس اطلاقاً، لكن أقول انني على الأقل مطمئن في نفسي اني تجاوبت مع الرجل حتى ولو كان غير راضٍ عليّ، أو حتى غير مقتنع بعذري". أي رسالة أبلغ من هذه حين يكون الإنسان خادماً لهذه الأمة.. أي قلب امتلأ حباً ليلبي حاجات الناس بأي وسيلة.. أي تواضع سكن الأرض حتى يسأل عن كل من سأل عنه.. أي وفاء صادق مع الآخر حتى لو لم يكن راضياً عنه أو غير مقتنع بعذره.. إنه "سلطان الوطن".. الإنسان الذي لم يرد أحداً يصل إليه.. المواطن الذي يحس بمسؤولياته تجاه غيره.. القائد الذي جعل مستقبل عمله وإنجازاته وطموحاته رصيداً لآخرته.. .. يكفي من كل ذلك إعلانه تأسيس "شركة باذل الخير"، ويسجلها رسمياً في الدولة.. ليكون كل ما يملكه على وجه الأرض تحت أمر الشركة.. ما عدا السكن الذي يسكنه شخصياً.. من الذي يجرؤ على فعل ذلك.. وما الدافع الذي يحركه ليتخلى عن كل شيء يملكه.. ومن الذي يبذل الخير بهذا الحجم.. إنه إعلان صادق للتجارة مع الله.. طمعاً في عفوه وكرمه.. ورجاءً لما عنده.. وطلباً لتوفيقه وتسديده.. الحياة اليوم بكل ما فيها من مصاعب وتحديات. تقف عاجزة ان تثني عزم الرجل الذي اعطى بلا حدود.. وقدم في سبيل الله ثم الوطن كل غالٍ ونفيس.. الحياة اليوم بكل ما فيها من آلام ومصائب.. لم يداو جراحها ويخفف من مصابها الا الرجل الذي سكن قلوب الناس يمنحهم من عطفه وحنانه الشيء الكثير.. "سيد القلوب".. كل فقير وقفت معه تجد يديه اليوم مرفوعتين لله تدعوان لك بالخير.. والصحة.. وكل أرملة وقفت معها شعرت بالأمان بعد الله وهي ترى الحياة قد بدأت من جديد.. وكل يتيم مسحت دمعته هو اليوم ينهض بعزائمه وطموحه ليشعر بأبوتك ويكمل مشواره في الحياة دون توقف.. وكل مريض سكنه الألم وجد برعايتك واهتمامك وسؤالك ومواساتك ما يخفف آلامه.. وكل محتاج امتدت يدك اليه لم يشعر بالجوع والظمأ.. وكل عمل خيري وقفت عليه بدعمك لم ينقطع عنه خيرك.. كل هذا لأنك "مؤسسة خير بنفسك".