المملكة تدعم الإجراءات التي اتخذتها لبنان لمواجهة العبث بأمن مواطنيها    وزير الدفاع يبحث مع نظيره الأمريكي جهود إرساء دعائم الأمن والسلم الدوليين    محافظ جدة يُدشّن الحملة الوطنيّة المحدودة للتطعيم ضد شلل الأطفال    الأهلي والنصر يواجهان بيرسبوليس والغرافة    وزير الاقتصاد: توقع نمو القطاع غير النفطي 4.8 في 2025    النفط ينهي سلسلة خسائر «ثلاثة أسابيع» رغم استمرار مخاوف الهبوط    بحث التعاون الاستراتيجي الدفاعي السعودي - الأميركي    المملكة العربية السعودية تُظهر مستويات عالية من تبني تطبيقات الحاويات والذكاء الاصطناعي التوليدي    يانمار تعزز التزامها نحو المملكة العربية السعودية بافتتاح مكتبها في الرياض    "السراج" يحقق رقماً قياسياً جديداً .. أسرع سبّاح سعودي في سباق 50 متراً    «سلمان للإغاثة» يدشن مبادرة «إطعام - 4»    أمير الشرقية يرعى لقاء «أصدقاء المرضى»    الشيخ السليمان ل«الرياض»: بعض المعبرين أفسد حياة الناس ودمر البيوت    عاصمة القرار    الحجامة.. صحة وعلاج ووقاية    محمد بن ناصر يدشّن حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال    يوم «سرطان الأطفال».. التثقيف بطرق العلاج    منتدى الاستثمار الرياضي يسلّم شارة SIF لشركة المحركات السعودية    الأهلي تعب وأتعبنا    ترامب وبوتين.. بين قمتي «ريكيافيك» و«السعودية»!    الترمبية وتغير الطريقة التي ترى فيها السياسة الدولية نفسها    الحاضنات داعمة للأمهات    غرامة لعدم المخالفة !    "أبواب الشرقية" إرث ثقافي يوقظ تاريخ الحرف اليدوية    مسلسل «في لحظة» يطلق العنان لبوستره    عبادي الجوهر شغف على وجهة البحر الأحمر    ريم طيبة.. «آينشتاين» سعودية !    الملامح الست لاستراتيجيات "ترمب" الإعلامية    بيان المملكة.. الصوت المسموع والرأي المقدر..!    الرياض.. وازنة القرار العالمي    القادسية قادم بقوة    يايسله: جاهزون للغرافة    وزير الموارد البشرية يُكرّم الفائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز في دورتها ال 12    أمين الرياض يحضر حفل سفارة كندا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    إنهاء حرب أوكرانيا: مقاربة مقلقة لهدف نبيل    وزير الاقتصاد يلتقي عددًا من المسؤولين لمناقشة مجالات التعاون المشترك    جازان تقرأ معرض الكتاب يحتفي بالمعرفة والإبداع    بينالي الأيقونة الثقافية لمطار الملك عبد العزيز    جولة توعوية لتعزيز الوعي بمرض الربو والانسداد الرئوي المزمن    جامعة نجران تتقدم في أذكى KSU    شرطة الرياض تضبط 14 وافداً لمخالفتهم نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص    على خطى ترمب.. أوروبا تتجه لفرض قيود على استيراد الغذاء    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لدولة الكويت    بموافقة الملك.. «الشؤون الإسلامية» تنفذ برنامج «هدية خادم الحرمين لتوزيع التمور» في 102 دولة    آل الشيخ: نعتزُّ بموقف السعودية الثابت والمشرف من القضية الفلسطينية    أمير نجران يكرّم مدير فرع هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة سابقاً    جمعية الذوق العام تنظم مبادرة "ضبط اسلوبك" ضمن برنامج التسوق    تحت 6 درجات مئوية.. انطلاق اختبارات الفصل الدراسي الثاني    "كبدك" تقدم الرعاية لأكثر من 50 مستفيدًا    خبراء يستعرضون تقنيات قطاع الترفيه في الرياض    استمع إلى شرح موجز عن عملهما.. وزير الداخلية يزور» الحماية المدنية» و» العمليات الأمنية» الإيطالية    جدد رفضه المطلق للتهجير.. الرئيس الفلسطيني أمام القمة الإفريقية: تحقيق الأمن الدولي يتطلب دعم مؤتمر السلام برئاسة السعودية    انتقلت إلى رحمة الله في المنامة وصلي عليها بالمسجد الحرام.. مسؤولون وأعيان يواسون أسرتي آل زيدان وآل علي رضا في فقيدتهم «صباح»    عدم تعمد الإضرار بطبيعة المنطقة والحياة البرية.. ضوابط جديدة للتنزه في منطقة الصمان    «منتدى الإعلام» حدث سنوي يرسم خارطة إعلام المستقبل    تآلف الفكر ووحدة المجتمع    فجوة الحافلات    عبدالعزيز بن سعود يزور وكالة الحماية المدنية الإيطالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أَوَّلُ مَكْتَبَةٍ في حَياتي
نشر في الرياض يوم 10 - 12 - 2009

حِينَ أستعيدُ طَرَفًا مِنْ ماضِيَّ معَ القراءةِ والكِتابِ يَلَذُّ لِي أنْ أَذْكُرَ أوَّلَ مكتبةٍ عَرَفْتُها في حياتي، فلتلكَ المكتبةِ فَضْلُها الكبيرُ عَلَيَّ إذْ فَسَحَتْ لي أبوابًا مِنَ المعرفَةِ ما كُنْتُ لأحسَبُ أنْ ستُتاحُ لي لولا وقوفي عليها في السّنواتِ الأخيرةِ مِنْ صِبايَ والسَّنواتِ الأولى من الشَّباب، أيْ تلك السّنوات التي تُعَدُّ، حقًّا وصِدْقًا، زهرةَ العُمْرِ، وكانَ ذلك عند اكتهالِ القرنِ الهجريِّ الرَّابِعَ عشرَ، وإذا أردتُ الإفصاحَ والإبانةَ قلتُ عام 1399ه.
وأنا مَدِينٌ للشَّاعِرِ الحجازِيِّ المبدعِ أحمد قنديل –رحمه الله- في مَيْلي إلى الأدبِ والثَّقافةِ، وذلكَ أنّ هذا الشَّاعِرَ الذي خاضَ غمراتِ النَّظْمِ بالفصحى والعامِّيَّةِ معًا، كانَ قدْ زَيَّنَتْ لي قناديلُه التي يُذيعها في صحيفة "عكاظ" منجَّمةً أنْ أتعلَّقَ بالأدبِ، وبالشِّعْرِ خاصَّةً، وأنْ أجِدَ في نفسي ميلاً إلى الشِّعْرِ السَّاخِرِ الذي فاقَ فيه قنديلٌ وبرزَ، فأخذْتُ أسيرُ على نَهْجِه في نَظْمِ ما ظَننْتُهُ تلك الأيَّامَ شِعْرًا، جِماعُهُ الافتتانُ بالسُّخْرِ الذي كانَ قنديلٌ فارسًا مِنْ فُرْسانِهِ، حِينَ لانَتْ له الكتابةُ في الشِّعْرِ "الحَلَمَنْتيشِيّ" هذا الضَّرب مِنَ الشِّعْرِ الذي وجد له في غير بلدٍ عربيّ ولا سيّما مصْر والسُّودان والحجاز مشايِعينَ وأتباعًا، وحتَّى غدا أحمد قنديل مِنْ السَّابِقينَ والمُجَلِّينَ فيه، فَعُرِفَ شاعِرًا عامِّيًّا ساخِرًا ضاحكًا، ونَسِيَ النَّاسُ أوْ كادوا أنَّه مِنْ أئمَّة الشِّعْرِ الفصيحِ وأقطابِهِ في الأدبِ العربيِّ الحديثِ، وأنَّه ما جَنَحَ إلى الشِّعْرِ العامِّيِّ المنظومِ باللَّهجةِ الحجازِيَّةِ لِنَقْصٍ في آلتِهِ الشِّعريَّةِ، ولكنَّه وجدَ في العامَّةِ، وهو امْرؤٌ فيه دُعابةٌ، غايته وطِلْبَتَه. وما دُمْتُ قدِ لبسْتُ عباءةَ الشَّاعِرِ والتحفْتُ بِشَمْلتِهِ فَلأَبْحثْ عَمَّا يمْلأُ ذَوْقي وعقلي بالثَّقافةِ، ولأُصْبِحْ أديبًا، وأنْ أنْتَهِزَ عُطْلةَ المدارسِ لأكتُبَ وأكتُبَ، وأنْ أهِيمَ في أوديةِ الشِّعْرِ والأدبِ، وأنْ أبحثَ عمَّا يَسُدُّ رَمَقي إلى المعرفةِ وسِحْرِها الأخَّاذِ، وجَعَلْتُ أُفَتِّشُ عنْ هذه الضَّالَّةِ التي استغْوَتْنِي، فكان لِقائي بمكتبةٍ صغيرةٍ نأتْ بنفْسِها عن أعْيُنِ النَّاسِ، واتَّخَذَتْ لَها مِنْ زُقاقٍ ضيِّقٍ في سوقِ "باب شريف" الشَّهيرةِ في جدَّة القديمةِ موقِعًا، وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ غيرَ قليلٍ منْ حَوانِيتِ الْحاكَةِ كانَ يُطِيفُ بها مِنْ كُلِّ جانِبٍ، وأظُنُّ، الآنَ، وقدْ فصَلَنِي عَنْ تلك الأيَّامِ البريئةِ العَذْبةِ ما يزيد على ثلاثينَ عامًا أنَّ حوانيتَ الْحاكَةِ قدْ كانَ لها الفضْلُ في إرشادي إلى تلك المكتبةِ الصَّغيرةِ التي انْزَوَتْ عنْ أعيُنِ النَّاسِ، وقدْ كُنْتُ أبتاعُ طَرَفًا مِمَّا يَعْرضُه أولئك الحاكَةُ مِنْ أَرْدِيةٍ وثياب. لا أعرفُ لِتلكَ المكتبةِ اسمًا، ولا أعرفُ اسمَ صاحبِها، وأحسبُ أنَّني لمْ أُكلِّفْ نَفْسي معرفةَ اسمه، بَيْدَ أنَّ الذي أعرفُه، وكأنَّني أعيشُه الآنَ، أنَّ ذلكَ الرَّجُلَ كانَ ذا سِنٍّ عالِيةٍ، وأنَّ سِيمياءَ الشَّيْخوخةِ قدْ ظَهَرَتْ على وجْهه، وأنَّه كانَ يمانِيًّا، وأنَّ له ابنًا يُساعِدُهُ في تدبير شؤونِ المكتبةِ، وأنَّ تلكَ المكتبةَ تَحْفِلُ بالكُتُبِ التُّراثيَّةِ التي غاصَتْ أشكالُها وألوانُها في ذاكرتي، ولمْ تُصِبْها عوادي النِّسْيانِ، ورُسِمَتْ في ذاكرتي منذُ تلك اللَّحظةِ أسماءُ النَّفَرِ الكرامِ مِنْ علماءِ هذه الأُمَّةِ التي كتبَ لها القَدَرُ أنْ تكتُبَ وتُصَنِّفَ وتقْرأَ، ولنْ أنْسَى ولا أظُنُّني بِناسٍ تلكَ الأسماءَ التي رَسَبَتْ في عقلي وقلبي، كالحافِظِ المُنْذِرِيِّ الذي عَرَفْتُ اسمَهُ في تِلكَ الْمُدَّةِ، وكُنْتُ أرْمُقُ كتابَهُ الضَّخْمَ "التَّرْغيب والتَّرهيب" عِنْدَ كُلِّ زيارةٍ لتلك المكتبةِ الحبيبةِ إلى قلبي، وكُنْتُ أُمَنِّي النَّفْسَ في احتيازِ ذلكَ الكتابِ، ولمْ أكنْ لأستطِيعَ، وأنَّى لِشَابٍّ عانَى اليُتْمَ والكَفَافَ أنْ يَحْتازَ ذلكَ الكِتَابَ وغيرَهُ مِنَ الكُتُبِ التي شَدَّني إليها كُعوبها المذهَّبة وأجزاؤها المتتاليةُ وأسماءُ النَّفَرِ الكرامِ مِنْ مؤلِّفيها، وإنْ أنْسَ فلسْتُ بِناسٍ الحافِظَ ابنَ حَجَرٍ العَسْقلانِيّ وكتابَهُ العظيمَ "تقريب التَّهذيب"، والحافظَ أبا الفِداءِ عِمادَ الدِّينِ إسماعِيلَ بنَ عُمَرَ بنِ كثيرٍ القُرشِيَّ الدِّمشْقِيَّ، وكان يطيبُ لي أنْ أسْرُدَ اسمَهُ بِتمامِهِ كما هُو مَكْتُوبٌ على كتابِهِ الكبيرِ "تفسير القرآن العظيم" الذي كتبَ ليَ الله –تبارَك وتعالَى- أنْ أبتاعَهُ في أوَّلِ عهدي بالقِراءةِ، ولكَ أنْ تَعْجَبَ مِنْ تلكَ المغامرةِ التي قادتْ فتًى أُغْرِمَ بأحمد قنديل إلى تفسير ابنِ كثير؟! ولكنْ هكذا شاءَ الله! ولأنَّنِي غَوِيتُ بالشِّعْرِ وأغوانِي وجدْتُ طريقي إلى ما انطَوتْ عليه تلكَ المكتبةُ العظيمةُ مِنْ دواوينِ الشِّعْرِ العربيِّ القديمِ، وكانَ أوَّلُ ديوانٍ ابتعتُهُ في حياتي دِيوانَ النَّابِغَةِ الذِّبْيانِيِّ، بطْبْعةِ دار صادِر ببيروتَ، وأذْكُرُ أنَّني حاولْتُ قراءةَ ذلكَ الدِّيوانَ وارتَسَمَتْ في ذاكرتي جُمْلةٌ مِنْ قصائدِهِ التي أحببْتُها ولَهجْتُ بها لأنَّها تُعِيدُنِي إلى تلكَ السَّنواتِ الغاليةِ منْ العُمْرِ.
وبينَ الشِّعْرِ واللُّغَةِ والفِقْهِ والتَّاريخِ والأخبارِ والنَّوادِرِ وجدتُني أجْمَعُ طائفةً مِنْ كُتُبِ التُّراثِ العربيِّ، لا أعْرِفُ، الآنَ، كيفَ تَهّيَّأَ لها أنْ تجتمِعَ في مكانٍ واحدٍ، وقدْ كُنْتُ حَفِيًّا بِها كُلَّ الحفاوةِ، أرْعاها بعيني، وأُحِيطُها بالعَطْفِ وكأنَّها مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ، وكانَ بيتُنا في مَحَلَّةِ الهِنْداويَّةِ شاهِدًا على مَوْلِدِ مكتبتي الأولَى، ومَنْ أحْبَبْتُ مِنَ المؤلِّفينَ الذينَ شاءتِ الأقْدارُ أنْ يكونُوا مِنَ الصَّفْوةِ الممتازةِ مِنْ علماءِ هذهِ الأُمَّةِ العربيَّةِ، كابنِ كثيرٍ القُرَشيِّ، وقدْ مضَى خَبَرُهُ، والثَّعَالِبِيِّ ومصَنَّفِهِ الأثيرِ لَدَيَّ "فِقْه اللُّغةِ وأسْرارِ العربيَّة" هذا السِّفْر الذي أُعِيدُ إليهِ سِرَّ كَلَفِي بفِقْهِ اللُّغَةِ واللَّهجاتِ، والإمامِ أبي زكريّا يحيى بن محيي الدِّينِ النَّوَوِيّ الشَّافِعِيّ وكتابه "رياض الصَّالِحِين مِنْ كَلامِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِين"؛ والسَّيِّد أحمد الهاشِمِيّ مُصَنِّف كتاب "جواهر الأدب في أدبيَّاتِ لُغَةِ العرب"، ومُؤلَّفِهِ في الْعَرُوض "مِيزان الذَّهب"، وفي الأوَّلِ عَرَفْتُ طائفةً مِنَ الأشعارِ والخُطَبِ والنَّوادِرِ، وفي الآخِرِ وقَفْتُ وجْهًا لوجْهٍ إزاءَ تلكَ المُنَغِّصاتِ العَرُوضِيَّةِ، ثمَّ عَرَفْتُ، بَعْدَ ذلك، ابنَ عبدِ ربِّهِ الأندلُسِيّ وكتابَهُ الباذِخَ "العِقْد الفريد"، وكانَ مِمَّا أغراني به وزَيَّنَه في قلبي وعقلي تلك الحلقاتُ التي بَثَّها التِّلفزيون السُّعوديّ عن ابنِ عبد ربِّهِ وعِقْدِه، وكانَ الممثِّلُ اللُّبْنانِيُّ العظيمُ رشيد علامة رافِدًا كبيرًا في نشأتي الثَّقافِيَّةِ ومَيْلي إلى التُّراثِ، وإنَّني لأعْجَبُ لِلُبْنانَ وأبنائهِ الذين زَيَّنَ لي في الماضي نَفَرٌ منهم حُبَّ العربيَّةِ وتُراثَها، وها هو ذا لُبنان وها هُم ثُلَّةٌ مِنْ أبنائها يزيِّنونَ لأبنائنا وبناتِنا ألوانًا لا يرضاها الخُلُقُ القويمُ ولا الذَّوْقُ السَّليمُ، وسبحانَ الله الذي خلَقَ وفَرَّقَ!
وبعْدَ ذلك بمُدَّةٍ يسيرةٍ عرفْتُ كِتابَ "تَذْكرة الْحُفَّاظ" للحافِظِ الذَّهَبِيّ، وأعجبُ العَجبِ أن يستهويني، في تلك السَّنوات، كِتابٌ في تراجِمِ حُفَّاظِ الحديثِ وطَبَقَاتِهِم، وجَعَلْتُ أقرأُ ما تَيَسَّرَ لِي مِنْ هذا السِّفْرِ، وإنْ كُنْتُ لَمْ أُتِمَّهُ فلا أقلَّ مِنْ أنْ عَرَفْتُ طَرَفًا مِنْ تِلكَ العُلُومِ التي كانَ عليها مدارُ العِلْمِ العربيِّ الإسلامِيِّ قرونًا متطاوِلةً.
ضَرَبْتُ في القِراءةً يَمْنَةً وَيَسْرَةً، وطَوَّفْتُ في آفاقِها صُعودًا وهُبُوطًا، ولَمْ يكُنْ لِي مِنْ مُرْشِدٍ يأخُذُ بِيَدِي. والآنَ، وأنا أستعِيدُ تلكَ التَّجْرِبَةَ أحمدُ الله –تبارَكَ وتعالَى- على أنْ لم يكُنْ لِي مَنْ يُرشِدُنِي إلى ما يجِبُ أنْ أقْرأَهُ وما لا يجبُ، وأنَّ تلكَ الْحَيْرَةَ وذلك الاحتطابَ في غابةِ الكِتابِ وَطَّنَا نَفْسِي على أنْ لا أكتَفِيَ بجانِبٍ ما مِن المعرفةِ، وأنَّ تلكَ الحَيْرَةَ كانتْ رحيمةً بِي، وأنَّ ذلك الاحتطابَ كان كريمًا مَعي وقَدْ وقفَا بِي، في أواخِرِ سنواتِ الصِّبَا وبواكيرِ الشَّبَابِ، على تراثِنا العربِيِّ الخالِدِ. أمَّا تِلكَ المكتبةُ التي استمرَّتْ صِلَتي بِها مُدَّةً مِنَ الزَّمانِ حتَّى بعدَ أنْ غادرْتُ مراتِعَ الصِّبا- فلَها الفضْلُ، وأمَّا صاحبُها اليمانِيّ، وقدْ عَرَفْتُ قَبْلَ زَمنٍ ليسَ باليسيرِ أنَّهُ قدْ تُوُفِّيَ إلى الله، فإنَّنَي أدْعو المولَى –جلَّ وعَزَّ- أنْ يرحمَهُ وأنْ يُثيبَهُ، وها أنَذَا أُعِيدُ الفضْلَ إليهِ أنْ فَسَحَتْ لي مكتبتُهُ العظيمةُ تلكَ صِلَتي بتراثِنا العظيمِ وثقافَتِنا الزَّاهِيَةِ التي لَمَّا تَزَلْ تَشُدُّني إليها، وتُنْزِلُ بِي ألوانًا مِنَ الدَّهَشِ والفِتْنَةِ والخلابةِ. وذلك حديثٌ آخَرُ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.