بالرغم من أن صحيفة " لوموند'' الفرنسية أكدت يوم الثاني والعشرين من شهر نوفمبر الجاري أن جان ابن الكاتب والفيلسوف الفرنسي الراحل ألبير كامو يعترض على مشروع الرئيس الفرنسي الهادف إلى نقل رفات والده إلى مقبرة العظماء في العاصمة الفرنسية، فإن عدة مصادر تؤكد أن حرص نيكولا ساركوزي على إنجاز مشروعه سيحمله على بذل جهود كبيرة في الأسابيع المقبلة لإقناع ابن كامو وابنته اللذين يبلغان اليوم الستين من العمر بالقبول بالمشروع. وتقول هذه المصادر إن كاترين كامو سعيدة جدا بأن ينقل رفات والدها من مقبرة بلدة " لورماران " الواقعة في جنوبفرنسا الغربي إلى مقبرة العظماء بدليل أنها قالت عندما سمعت بالمشروع إن ذلك سيشكل " رمزا جميلا " لأن والدها " شخص سعى إلى التحدث باسم الذين لم يكن بوسعهم التحدث ". ولكن ما يخيف كاترين في المشروع هو الجدل الحاد الذي بدأ المشروع يغذيه لدى الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية الفرنسية. وقد ركز شقيقها على بعض أبعاد هذا الجدل فبرر رفضه المشروع حسب صحيفة "لوموند " لكونه يخاف من أن تكون وراء الأمر مناورة سياسية لا رغبة حقيقية في تكريم ألبير كامو بمناسبة مرور خمسين عاما على وفاته في حادث سيارة وهو في السابعة والأربعين من العمر. كامو يستلم جائزة نوبل للآداب عام 1957 كامو والهوية الوطنية لقد جرت العادة أن تنقل رفات عدد من الشخصيات التي اضطلعت بدور هام في تاريخ فرنسا في مختلف المجالات منها المجال الأدبي والثقافي إلى مقبرة العظماء في باريس. وهو مثلا حال الفيلسوفين روسو وفولتير. وكان الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك وراء مشروع نقل رفات الكاتبين أندريه مالرو وألكسندر دوما إلى هذه المقبرة التي يؤويها مبنى تاريخي أقيم في القرن الثامن عشر ويقع في الحي اللاتيني غير بعيد عن جامعة السوربون الشهيرة. وقد سبق أن اعترضت بعض أسر شخصيات شهيرة على مشاريع مماثلة لأسباب شخصية عموما منها رغبتها في مواصلة الالتزام بوصايا الراحلين في أن يدفنوا في هذا المكان أو ذاك. أما بشأن الجدل الحالي الذي أثاره مشروع نقل رفات ألبير كامو إلى مقبرة العظماء فإنه يتجاوز كثيرا هذا الإطار. فأغلب ردود الفعل المعترضة على المشروع من قبل الأوساط السياسية أو المتحفظة عليه يرى أصحابها أن الرئيس الفرنسي قد يريد توظيف المشروع لاعتبارات لا علاقة لها بإسهام كامو في إثراء الأدب العالمي بل لأسباب انتخابية لديها صلة بأصول الكاتب ومواقفه السياسية. ويقول أصحاب هذا الطرح إن نيكولا ساركوزي قد يريد توظيف الحدث في إطار النقاش الذي كان وراءه منذ أسابيع حول الهوية الوطنية. ويأتي هذا النقاش خلال فترة يواجه أثناءها الحزب الحاكم في فرنسا مصاعب كثيرة يمكن أن تنعكس سلبا على أدائه في الانتخابات الإقليمية التي ستجري في شهر مارس المقبل. ويذكر هؤلاء بأن مسألة الهوية الوطنية كانت قد استغلت من قبل الحزب الحاكم بشكل خاص خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية الماضية. ويعتبرون أن انتماء ألبير كامو إلى أسرة من المستوطنين الفرنسيين في الجزائر خلال فترة الاستعمار عامل يمكن أن يخدم الحزب الحاكم خلال الانتخابات الإقليمية المقبلة. فأبناء هؤلاء المستوطنين ظل يلازمهم شعور بأن الدولة الفرنسية لم تقم بواجبها إزاءهم وإزاء أسرهم التي اضطرت إلى مغادرة الجزائر قبيل استقلالها عن فرنسا وبعدها في ظروف صعبة. ومن ثم فإن نقل رفات ألبير كامو إلى مقبر ة العظماء في باريس يشكل تكريما لكل المستوطنين الفرنسيين في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية ودعوة غير مباشرة غير مباشرة لأبنائهم وأحفادهم للتصويت لصالح الحزب الحاكم خلال الانتخابات الإقليمية المقبلة. كامو مع ابنته وابنه التوأم عندما كانا طفلين مسار معقد وما يجعل مشروع نقل رفات ألبير كامو إلى مقبرة العظماء مشروعا معقدا أن مسار الكاتب الراحل الذي حصل عل جائزة نوبل للآداب عام سبعة وخمسين مسار معقد في جانبه السياسي والعقائدي. فهذا الكاتب الذي ولد ودرس في الجزائر كان قد وقف إلى جانب المستوطنيين الفرنسيين خلال اندلاع الثورة الجزائرية عام 1954.ووصف حرب التحرير هذه ب "امبريالية عربية جديدة ". ولكنه دافع في الوقت ذاته عن عدد من المقاومين الجزائريين الذين كان قد حكم عليهم بالإعدام من قبل سلطات الاستعمار بسبب نضالهم السياسي . وكان يقول إن التعايش ممكن بين المسلمين والأوروبيين في الجزائر. وإذا كان كامو قد انتمى في بداية مساره السياسي والعقائدي إلى الحركة الشيوعية، فإنه اقترب من الحركة الفوضوية في السنوات الأخيرة من حياته إلى حد جعل أتباع هذه الحركة يرون اليوم في مشروع الرئيس الفرنسي الهادف إلى نقل رفات الكاتب إلى مقبرة العظماء مشروعا يرمي إلى " السطو على رمز من رموزهم ". أما سكان بلدة ''لورماران'' الجميلة الواقعة في جنوبفرنسا الشرقي فإنهم يعترضون على نقل الرفات من مقبرة البلدة إلى باريس. ويقولون إنه لو بقي كامو حيا لرفض المشروع لأنه عاش سعيدا مع زوجته الثانية وطفليه في هذه البلدة ولأنه لم يكن يحب البهرج والأضواء بالإضافة إلى أن قبره وقبر زوجته يوجدان جنبا إلى جنب في مقبرة القرية وأن القبرين بسيطان وتنبت فوقهما أعشاب وشجيرات متوسطية منها شجيرة إكليل الجبل. وإذا كان الجزائريون ينظرون إلى مواقف كامو السياسية باعتبارها مواقف " غير مشرفة" ،فإن هناك رأيا آخر يعتبر أصحابه أن كامو كان بحق مثقفا مستقلا ومدافعا عن المظلومين والمحرومين حيثما يكونوا.. وأيا تكن المآخذ والانتقادات الحالية الموجهة لنيكولا ساركوزي بشأن حرصه على نقل رفات كامو إلى مقبرة العظماء ، فإن نيكولا ساركوزي يعلم اليوم أنه سينجز مشروعه إذا توصل إلى إقناع جان كامو ابن الأديب الراحل بأن مشروعه لايراد من ورائه إلا تكريم كامو الأب كمبدع فرنسي أشع بأدبه في العالم كله بدليل أنه لايزال يحتل المرتبة الأولى في قائمة كتاب فرنسا الذين تطبع آثارهم في العالم وتقرأ بلغات عديدة من بين كتاب القرن العشرين. مدخل مبنى الذي يأوي مقبرة العظماء في باريس