روى لي من أثق به، وأثق فيه صادقاً أميناً، والعهدة على الراوي، وعلي - أيضاً - من خلال معرفتي بأمانة الرجل فيما يرويه، وما يصدر عنه من سلوك، أو قول، أو فعل. قال الراوي: تعوّد الشيخ الفاضل محمد بن عثيمين عند ذهابه إلى المسجد أن يحمل مبخرة يشتعل الجمر داخلها حتى إذا وصل إلى المسجد قام بوضع البخور على الجمر، ويطوف بالمبخرة في أرجاء بيت الله ليعطره، ويعطر المسجد برائحة البخور الممتعة، والزكية، وكان أهل الحي يعرفون هذا السلوك الرائع والجيد من الشيخ العثيمين - رحمه الله -. فتية في طيش الشباب من أهل الحي عندهم بعض النزق، والجهل، والتجاوز في التصرفات راهنوا أحدهم على مبلغ من المال على أن «يشعل» سيجارته من مبخرة الشيخ. فقبل الرجل الرهان يدفعه الطيش، والجهل، والحماقة. عند خروج الشيخ من منزله في أمسية من الأمسيات وهو يحمل المبخرة ، كعادته ، قاصداً المسجد استوقفه الشاب وأصحابه يرقبونه من بعيد وطلب منه أن يعطيه المبخرة. توقف الشيخ وأعطاه المبخرة، فأخرج الشاب سيجارة من جيبه وأشعلها من جمرة المبخرة أمام مرأى من الشيخ ، ثم أعادها له. دعا له الشيخ العثيمين بالهداية وترك التدخين الذي هو مضرة للبدن، ومسبب لأمراض قاتلة، وهو يبتسم ابتسامة صادقة محبة حانية دون أن يكون له ردة فعل غاضبة كما هو متوقع في حالة كهذه. أمام ابتسامة الشيخ، وهدوئه، رمى الشاب بالسيجارة تحت قدمه وقبّل رأس الشيخ، وجبينه مرات عديدة. وقال: اعذرني. وأعدك أولاً بأنني منذ الآن سأترك التدخين ثم إن الموضوع هو رهان بيني وبين أصدقاء ، لكن حلمك، وسعة صدرك، وتواضع العلماء فيك كلها أمور أعادت لي التفكير السليم والصحيح، وأرشدتني إلى سوء فعلي، وحماقتي، وتجاوزي اللاأخلاقي. وبعدها أصلح الشاب من نفسه، وسلوكه، وأصبح من أفاضل الناس، وأحرصهم على القيام بواجباتهم الدينية دون غلو، أو إفراط، أو تفريط. هذه الواقعة - وأحسب أنها صحيحة - تمثل درساً بليغاً ومتفوقاً لمسلك العلماء وطلاب العلم في التعامل مع الناس. أما من هم في ثقافة جهيمان، واتباع لفكر جهيمان ، ومن يرتكسون في الجهل فإن العنف، والصراخ، والقسوة، وربما التدمير هي أدواتهم فيما يعتقدون أنه ممارسة للدعوة، والإرشاد. رحم الله الشيخ العثيمين فهو عالم فاضل، ومعلم، ومربّ.