برعاية ودعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبمتابعة وزارة التعليم العالي، يخطو التعليم العالي في المملكة خطوات جبارة ومتسارعة لم يسبق لها مثيل نحو العالمية، وذلك من خلال التركيز على مجموعة من المعطيات الكمية والكيفية التي يتمثل بعضاً منها في النقاط الآتية: * من حيث الكم قفز عدد الجامعات في المملكة خلال السنوات الأربع الأخيرة من (8) جامعات إلى (24) جامعة حكومية تضم مئات الأقسام والكليات بالإضافة إلى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية والتي تعتبر واسطة العقد وزينته لما تمثله من نقلة نوعية من حيث الكيف ومن حيث الكم، ناهيك عن أنها سوف تصبح أنموذجاً يحتذى في البرامج والمدخلات والمخرجات، ذلك أنها جاءت على آخر ما توصل إليه العصر من تطور وإنجاز، ليس هذا فحسب، بل إن انتشار الكليات في المحافظات ارتفع بل قفز من (17) محافظة ليغطي الآن أكثر من (79) محافظة في جميع أرجاء البلاد. كما أن عدد الجامعات الأهلية قد تجاوز (9) جامعات بالإضافة إلى عدد كبير من الكليات الأهلية المتخصصة. ومع توفر هذه المعطيات أعلنت وزارة التعليم العالي أن الجامعات والكليات الحكومية قد استوعبت وقبلت جميع المتقدمين إليها من خريجي الثانوية العامة لهذا العام. * واكب التوسع في انشاء الجامعات تنفيذ بناء المدن الجامعية التي واكبت العصر من حيث التصميم والمساحة واعتماد أحدث المواصفات ناهيك عن التجهيز بما يتلاءم مع متطلبات الجودة والتميز. إن المدن الجامعية اليوم أصبحت منارات ولألئ تزين أرض وسماء هذا الوطن وشكلت مراكز حضارية وحضرية وزادت من رقعة الانتشار السكاني ووفرت فرص عمل عديدة في جميع المناطق والمحافظات. * هذا وقد شمل التوسع في مجال التعليم العالي الاهتمام بالنوعية واكتساب خبرة الأخرين من خلال فتح باب الابتعاث على مصراعيه في جميع التخصصات المهمة والمطلوبة لسوق العمل. وذلك إلى جميع الجامعات المتميزة والمعترف بها في جميع أرجاء العالم. هذا وقد مر الابتعاث حتى الآن بخمس مراحل وصل عدد المبتعثين خلالها إلى أكثر من (70) ألف مبتعث ومبتعثة في مختلف التخصصات والبرامج. هذا وقد أعلنت وزارة التعليم العالي أن باب الابتعاث سوف لن يتوقف عند المرحلة الخامسة بل سوف يستمر ما دامت الحاجة إليه قائمة. ولا شك أن ذلك سوف يشكل رافداً مهماً يزود سوق العمل بعدد كبير من البدائل وسوف يشكل هاجساً تنافسياً أمام خريجي الجامعات الوطنية مما يدفع كل من الجامعات ومنسوبيها من طلبة وأعضاء هيئة التدريس إلى خوض غمار التطوير المتسارع حتى تحقق لمخرجاتها القبول والرضى وبذلك يتحقق التوازن والفوز في باب المنافسة إن وجد. * نعم لقد وعت وزارة التعليم العالي أهمية الكيف وعدم اهمال الكم، فسعت إلى تشجيع الجامعات على الاهتمام بهذا الجانب واتجهت إلى خلق منافسة شريفة بينها من أجل تحقيق هذا الطموح من خلال الاهتمام بالجودة والتميز والتحديث وإعادة الهيكلة والاستقطاب والتشجيع وتقديم الحوافز والاهتمام بالتدريب وإعادة التدريب بالإضافة إلى تشجيع الإبداع والابتكار والاهتمام بهما ناهيك عن تشجيع حركة البحث العلمي والترجمة والتأليف وذلك في سبيل الوصول إلى الريادة العالمية. وفي هذا الصدد حققت كل من جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية انجازات موفقة كما أن الجامعات الأخرى تشهد حراكاً سوف ينعكس على شكل انجازات قادمة. نعم إن حراك جامعة الملك سعود هو الأكثر صدى والأكثر تسارعاً، وقد تحقق ذلك من خلال الحراك على عدة مستويات كان من أهمها إنشاء المعاهد المتخصصة والكراسي الجامعية واستقطاب المتميزين والاهتمام بالنشر العلمي وإنشاء مركز التميز والاتجاه إلى التوأمة والاهتمام بمجتمع المعرفة وتكثيف الحضور العالمي من خلال توقيع اتفاقيات تعاون مع عدد من الجامعات المتميزة على المستوى العالمي بالإضافة إلى الاهتمام بالجودة والارتقاء في سلم الاعتماد الأكاديمي. إن الاهتمام بالتطوير التقني يعتبر هو الأساس بالنسبة لمجالات التطوير المختلفة، وقد تجلى ذلك من خلال الاهتمام بالبوابة الالكترونية للجامعة التي تعتبر المدخل الشرعي والوجه المشرق الذي يمثلها في جميع أرجاء العالم حيث تحتوي على معلومات تغطي جميع فعاليات الجامعة وكلياتها ومعاهدها ومراكزها وكراسيها وأقسامها بما في ذلك أعضاء هيئة التدريس والطلاب والتخصصات والأبحاث والنشاطات والبرامج المختلفة. إن هذا الحراك الدائب والمستمر هو ما حقق للجامعة المكانة والسمعة التي حظيت بها في الأوساط العلمية العالمية والمحلية والذي عكسه تبوءها مركزاً متقدماً في تصنيف شنغهاي لعام (2009م) حيث صنفت ضمن أفضل (500) جامعة عالمية. ولعل ما جعل تصنيف شنغهاي موثوقاً أن جامعة شنغهاي جياو تونج تحظى بتقدير واسع في مختلف الأوساط الأكاديمية ولذلك فإن تصنيفها يلقى قبولاً وانتشاراً دولياً وذلك الرضى يأتي انعكاساً للمعايير التي يستند إليها ذلك التصنيف، أما المعايير التي يعتمد عليها تصنيف شنغهاي فيمكن تلخيصها بالنقاط الرئيسية الآتية: * جودة التعليم ويحسب وزنه ب 10٪. * جودة أعضاء هيئة التدريس ويحسب وزنه ب 40٪. * مخرجات البحوث ويحسب وزنها ب 40٪. * حجم المؤسسة الأكاديمية وأداؤها العام ويحسب وزنه ب 10٪. وكل معيار من المعايير السابقة له تفاصيله ونقاطه التي تجمع لتشكل النسبة المخصصة لاحتساب نسبة وزن ذلك المعيار في التصنيف. هذا وقد سبق أن تبوأت جامعة الملك سعود مواقع متقدمة ضمن الجامعات العالمية المرموقة في كل من تصنيف التايمز كيو إس وتصنيف ويب ماتريكس. نعم إن التصنيفات العالمية من الحوافز التي تدفع إلى تحقيق مزيد من الانجاز وتحري الجودة والسعي إلى الريادة العالمية وهذا بالضبط ما عناه معالي الدكتور عبدالله العثمان مدير جامعة الملك سعود عندما قال إن التركيز على التصنيفات العالمية وسيلة للتطوير وليست هدفاً بحد ذاتها. وعلى العموم فإن الحراك الذي يشهده التعليم العالي في المملكة حراك غير مسبوق سوف يعززه ويشد من أزره خلق منافسة شريفة بين الجامعات ويدعمه العمل على إعداد تصنيف وطني مستقل يحدد الايجابيات ويدعو إلى تعزيزها ويبين السلبيات ويدعو إلى تلافيها وتصحيحها على أن يشمل ذلك جميع الكليات والجامعات الحكومية والأهلية، وهذا الأسلوب سوف يعزز عمليات التقييم ومن ثم التقويم اللتين تعتبران المفتاح الأساسي للوصول إلى الجودة والتميز. ومما لا شك فيه أن من أهم العوامل التي تدعم مسيرة التعليم بفروعه المختلفة العام والعالي والفني الكامل، فلكي تكتمل الصورة فإن الحاجة ماسة إلى أن تتكامل مؤسسات التعليم العالي والتعليم العام. فكل منهما نتاج الآخر ذلك أن التعليم العالي يستقبل خريجي الثانوية العامة والتعليم العام يعتمد مخرجات التعليم العالي في توفير كوادره التعليمية وهذا يشكل حلقة متصلة توجب أن تكون عملية التطوير والاهتمام بالجودة مشتركة ومتكاملة وشاملة. وهنا لا بد من الإشادة ببرنامج خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم العام والذي هو تحت الدراسة والإعداد والذي يؤمل منه أن يكون بداية النهاية لمراحل التلقين والكم وبداية الاتجاه إلى الكيف. ولا شك أن وزارة التربية والتعليم تبذل قصارى جهودها من أجل تحقيق ذلك. نعم إن الحراك العلمي في المملكة شمل الحلقة الثالثة من المؤسسات التعليمية وهو التعليم الفني وذلك في سبيل أن تتوافق مخرجاته مع متطلبات سوق العمل. خصوصاً في ضوء سيطرة العمالة الأجنبية غير المدربة على أكثر من (75٪) من فرص العمل الفنية، والمتمثلة في ورش صيانة السيارات ومحطات الوقود ونقاط البيع والشراء والمطاعم وخدمات عديدة أخرى، كما أنه من المؤمل من التعليم الفني أن يركز على تخريج أناس تقنيين على درجة عالية من الكفاءة (hijh tick) وذلك أن من أهم العوائق التي تقف حجر عثرة أمام توطين التقنية غياب القوى العاملة المؤهلة التي تجيد التشغيل والصيانة والبحث والابتكار. ولا شك أن تلك المسؤولية يقاسمها كل من التعليم العالي وبرامج الابتعاث والتعليم الفني ناهيك عن دور القطاع الخاص بشركاته ومصانعه ومراكز تعليمه ومسؤوليته الوطنية. خصوصاً أن تلك القطاعات تقوم في الغالب باستقدام عمالة أجنبية إما غير مدربة أو حديثة التخرج وتقوم بتدريبها محلياً. حتى إذا أجادت العمل واكتسبت الخبرة ذهبت لقمة سائغة إلى أماكن بمجرد الحصول على عرض مادي أفضل. وبذلك نصبح كورشة عمل تخرج عمالة ماهرة يستفيد منها الآخرون. هذا مع العلم أن الاهتمام بالمواطن وتدريبه يشبه سحابة هارون الرشيد فالمواطن المدرب وصاحب الخبرة مثمر أنى ذهب. إن دور القطاع الخاص في دعم الحراك العلمي لا زال محدوداً خصوصاً في مجال التدريب وإعادة التدريب فهو في الغالب ينظر إلى الربح المادي المباشر أما القيمة المضافة التي يمكن أن تجنى من تحمل توظيف المواطن وتدريبه فليس لها حساب. هذا مع العلم أن الدولة تدعم جميع فعاليات القطاع الخاص إما على شكل اعفاء من الضرائب أو على شكل مساهمة حكومية في مشاريعه. فعلى سبيل المثال لا الحصر تقوم الدولة بدعم التعليم العام الأهلي وكذلك التعليم العالي الأهلي بسخاء وبعدة صور، ولعل ما تقوم به وزارة التعليم العالي خير مثال على ذلك حيث تتحمل الوزارة (50٪) من تكاليف رسوم الطلاب في الجامعات الأهلية. ولا شك أن ذلك يحسب ضمن تشجيع الوزارة على التوسع في مجال التعليم العالي فهذا الأسلوب يخفف من العبء المالي الملقى على كاهل الطالب أو أسرته من ناحية ويخفف من الضغوط على الجامعات الحكومية من ناحية أخرى ناهيك أنه يمكن أن يستخدم كورقة ضغط على الجامعات الأهلية للالتزام بالجودة والتميز وإثبات الذات على المستوى المحلي والدولي. نعم إن الحراك العلمي الذي تشهده المملكة يرافقه حراك شامل في جميع المجالات العمرانية والصحية والأمنية والعسكرية والاقتصادية. والنقل والاتصالات وغيرها من القطاعات. إن هذا التحول الشامل والجذري ينبئ بأن المملكة سوف تلحق بالعالم الأول خلال الفترة الزمنية القادمة خصوصاً إذا رافق تلك التحولات رفع مستوى المؤسسات وقدرتها على الاستمرار في التطوير من خلال جعل العمل مؤسسياً وليس فردياً ذلك أن المؤسسة أكثر استمرارية وعملها في الغالب عمل منهجي يتطور والخبرة لديها تكتسب بصورة تراكمية. والله المستعان.