شهد التعليم العالي في المملكة خلال السبعة أعوام الماضية قفزات هائلة في الانتشار والنمو، وباتت معظم مدن ومحافظات المملكة تضم على الأقل جامعة أو كلية تابعة لجامعة، الأمر الذي ساهم في تحريك عجلة الاقتصاد في البلاد، وبخاصة في المدن الصغيرة. وقال معالي الدكتور أحمد السيف نائب وزير التعليم العالي إن هناك مدنا جامعية في كل منطقة وأصبحت هذه المدن الجامعية عاملا مؤثرا اقتصاديا واجتماعيا وعمرانيا وأصبحنا نرى هجرة سكانية معاكسة لهذه المناطق ونرى هناك نموا علميا وثقافيا وعمرانيا واقتصاديا، الأمر الذي انعكس إيجابيا على تنمية المناطق وأصبحت هذه الجامعات مراكز نمو اقتصادية مؤثرة في هذه المناطق ومراكز علمية وارتقت في الخدمات التعليمية والصحية بالذات. وأضاف السيف ان القطاع الصحي التعليمي له أثر ملموس في النمو، فهناك كليات صحية وكليات طبية في كثير من الجامعات السعودية، فضلا عن وجود مستشفيات جامعية في كل الجامعات الحديثة والعريقة، وهذا مما له أثر ملموس على المناطق والمحافظات التي أنشئت فيها الجامعات. وتابع لأن هذه المنظومات الصحية تقوم بدور تعليمي وصحي ووقائي وعلاجي وهذا ساهم في تطوير الخدمات التعليمية في هذه المناطق وبلا شك هناك نمو من حيث الكم، ومن حيث التطوير والجودة والنوعية ونرى انعكاس ذلك على أبناء هذه المناطق في القبول في مراحل البكالوريوس والدراسات العليا في جميع مناطق المملكة الكبرى والصغرى. وبين السيف أن هناك توسعا في الكليات التي تحتاجها المملكة في سوق العمل، ونرى الآن هناك أكثر من 24 كلية طب في جميع جامعات المملكة والكليات الصحية وكليات الهندسة والحاسب الآلي وخلق فرص كبيرة للطلاب والطالبات لإيجاد مقاعد قبول، فضلا عن التطور النوعي، فهناك تطوير من حيث الجودة في التعليم العالي، ورأينا الاتفاقيات الدولية العالمية التي ساهمت في استقطاب الباحثين والعلماء من خارج المملكة وأصبح التعليم العالي في المملكة منافسا كبيرا في دول المنطقة، وبالذات في دول الشرق الأوسط في استقطاب المميزين. د. سليمان أبا الخيل وخلال أكثر من عقد مضى كان التعليم العالي في السعودية يمثل أمنية لدى كثير من خريجي الثانوية العامة، بل وأصبح الالتحاق بجامعة سعودية هاجسا يؤرق الخريجين وأولياء أمورهم. كما أن الجامعات السعودية فيما مضى لا ينظر لها إلا أنها مؤسسات حكومية مهمتها تزويد سوق العمل بخريجين يغلب عليهم طابع الملقنين للتعليم لا المتفاعلين معه، فضلا عن أن تلك الجامعات ظلت لفترة طويلة حبيسة أسوارها التي يطلق عليها "الحرم الجامعي"، ولم تكن تتفاعل مع المجتمعات التي تعمل بها إلا ما ندر. والآن، وخلال فترة زمنية بسيطة انقلب الحال على بعضه، وأصبح ينظر للتعليم العالي في السعودية على أنه "بركان" ظل خامدا لسنوات وانفجر فجأة، ولم يعد أحد يستوعب النقلة الكبيرة والطفرة الهائلة في التعليم العالي في المملكة. فمن سبع جامعات حكومية إلى 57 جامعة وكلية أهلية وحكومية، وخلال أقل من عشرة أعوام، خلاف برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث، والذي هو الآخر بات يعتبر جامعة أخرى يمكن أن تضاف لمؤسسات التعليم العالي، إلى جانب أن الجامعات السعودية التي كانت متذيلة التصنيف العالمي للجامعات، تقدمت وبوقت قياسي إلى الأمام وتخطت جامعات عربية وغير عربية تعتبر عريقة. وهنا يقول معالي الدكتور سليمان بن عبد الله أبا الخيل مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إن التعليم العالي في السعودية يعيش حقبة ذهبية مباركة بجميع مؤسساته وقطاعاته الحكومية والأهلية، معيدا ذلك إلى توفيق الله أولا ثم جهود الحكومة السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده والنائب الثاني. د. عبد الله العثمان ويضيف أبا الخيل ان لغة الأرقام والإحصاءات تعطي دليلا على أن الميزانيات المرصودة للتعليم العالي هي الأضخم في تاريخها، مبينا أنه "يحق لنا أن نفخر ونعلن في كل مناسبة أن هذا عصر التعليم العالي"، وأن هذه الوفرة والطفرة أعطت الجامعة فرصا كبيرة كي تعيد النظر في واقعها وبيئة التعليم فيها، وتستكمل فيها البنى التحتية بما يواكب التطور العالمي الذي يعيشه العالم في كل شأن، ومن ذلك شأن التعليم العالي. وتابع ان انعكاسات هذه الطفرة شملت رؤية تطويرية متوازنة، وتوسعًا مدروسًا في مؤسسات التعليم العالي وفي أهداف تلك المؤسسات واستراتيجياتها، ووسائل وأساليب التعلم والتعليم، وعاشت الجامعات حراكًا متميزًا، وتنافسًا في تحقيق أعلى معدلات التطور والارتقاء يسابق الزمن، حتى حققت شأوًا بعيدًا في هذا. وبين أن المؤسسات المعنية بالتقويم والجودة رصدت تقدمًا مذهلاً أوصل بعض الجامعات إلى مراتب متقدمة في التصنيفات العالمية، ومنها جامعة الإمام العريقة التي نتحمل مسؤوليتها، والتي حققت قفزة نوعية في التصنيفات العالمية التي تعتمد معايير ومقاييس علمية وعالمية دقيقة، وهذه إحدى هذه الانعكاسات على المستوى العالمي. واضاف ان ما يزين هذه القفزة التطويرية أنها اعتمدت الشراكات العالمية مع الجامعات المرموقة في العالم، وجعلت منطلقها من حيث انتهى الآخرون، والعالم بحكم التطور التقني والتواصل المذهل أصبح كالقرية الواحدة، وهذا يشمل الجوانب الإيجابية والسلبية، فالمشكلات التي تواجه التعليم العالي سواء في المواءمة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل، أو في التحول من البيئة التقليدية، والنمطية المعهودة إلى لغة التطور والتكنولوجيا أو غيرها هي مشكلات عالمية. د. سعد الحريقي في المقابل يرى الدكتور عبد الله العثمان مدير جامعة الملك سعود، أن ما يحدث اليوم في التعليم العالي هي رؤية وطن لمرحلة زمنية ليس لنا في المملكة سوى هذا الخيار، لأن اليوم ثروات الدول تأتي من مصدرين أساسيين في القرن الواحد والعشرين الأول من جيل متعلم والثاني من الأفكار الإبداعية. وأوضح أن هذا اليوم تكون الثروة لأن الفرق بين الثروة والفقر هو انتاج المعرفة، والمعرفة لا تنتج إلا من مصدرين رئيسيين هما جيل متعلم بالإضافة إلى الأفكار الابداعية. وتابع العثمان اننا في هذا القرن فإن الاقتصاد الحقيقي أو العالمي يعتبر 57 في المائة منه عبارة عن اقتصاد معرفي أو بمعنى آخر هو اقتصاد العقول، فأي دولة سوف تستثمر استثمارا متكاملا جدا في شبابها حتى يكون فعلا شبابا متعلما وليس متلقيا يتفاعل ويولد المعرفة ولا يستهلك المعرفة سوف تكون فعلا الدولة تحافظ على رفاهية شعبها. وبين أن وزارة التعليم العالي قدمت مشروعها للملك عبد الله بن عبد العزيز قبل نحو ست سنوات لتطوير التعليم العالي، فما يحدث اليوم هو نتاج في التوسع في الجامعات والابتعاث والتعليم العالي الأهلي ، وأن التعليم العالي ومؤسساته تضاعفت أكثر من اربع مرات خلال فترة زمنية بسيطة. د. خالد المقرن وأشار العثمان إلى أن جامعة الملك سعود تدرك المسؤولية الوطنية الكبيرة عليها بحكم أنها أقدم الجامعات، "وعندما أتحدث عن عراقة جامعة الملك سعود فلا أتحدث عن عراقة المباني والتجهيزات وإن كانت عاملا رئيسيا ولكن الجامعة لديها مجموعة كبيرة جدا من أعضاء هيئة التدريس والباحثين المتميزين الذين تخرجوا من أرقى الجامعات على مستوى العالم". العثمان: ثروات الدول اليوم تأتي من جيل متعلم وفكر إبداعي وأضاف ان مخرجات التعليم العالي هو أحد التحديات الكبيرة أمام قطاع التعليم العالي في أي دولة من الدول، وقطاع التعليم العالي يشترك مع التعليم العالي العالمي في اربعة تحديات: التمويل، والجودة، القبول، والمواءمة، فالاربعة عناصر هي عناصر متضادة مع بعض، فلا يمكن أن تتوسع في القبول على حساب الجودة، ولا يمكن أن يكون لديك تعليم متميز بدون تمويل كافٍ. وأكد العثمان أن جامعة الملك سعود تعاملت مع هذه الأربع حقائق وفق أفضل الممارسات العالمية، مثلا التمويل اليوم من خصائص الجامعة الرائدة المنتجة أن تتوافر فيها عدة خصائص أهمها أن تكون معتمدة على نفسها ماليا أو جزئيا وقدرتها على استقطاب المبدع والمتميز بصرف النظر عن جنسيته ودينه، وكذلك العلاقة يجب أن تكون هناك علاقة تعاقدية بين العاملين في الجامعة وبين الجامعة نفسها. أبا الخيل: نعيش حقبة ذهبية في التعليم العالي من جهته، يرى الدكتور سعد الحريقي مدير جامعة الباحة أن هذه الفترة تعتبر ذهبية من حيث التركيز والاهتمام لتنمية الموارد البشرية لأبناء الشعب السعودي، وبذلك زيادة الجانب النوعي لمخرجات التعليم العالي. وأضاف الحريقي أنه من الملاحظ أن الحكومة حريصة على التطور وعلى التنمية، دون أن يكون هناك أيد سعودية ذات خبرة مؤهلة للمشاركة في التنمية لن تتحقق هذه التنمية، مشيرا إلى أن الحكومة تبنت هذا الجانب من حيث اتساع قاعدة التعليم العالي بالزيادة الكبيرة في الجامعات في جميع مناطق المملكة. وتابع ان الواقع يحكي أنه إن لم يكن هناك جامعة فهناك جامعتان في المنطقة الواحدة، وكثير من المحافظات وصلها التعليم العالي، وبذلك زادت فرص التعليم العالي للذكور والإناث، واهتمام الدولة من حيث الوزارة لتطوير هذه الجامعات بحيث تكون ذات مخرجات عالية الجودة من حيث برامجها العلمية أن تكون ذات فائدة للمجتمع وتصب في خطط التنمية. كما ساهم استقطاب الجامعات لخبرات عالمية لتطوير برامجها وتنوعها، فضلا عن وجود أكثر من 100 الف طالب وطالبة مبتعثون للخارج وهي جهود مشكورة للدولة من حيث إعطاء الفرصة للشباب السعودي للاستفادة من التعليم العالي في الخارج، وأن هؤلاء الطلاب سوف يكون لهم فرصة كبيرة في المشاركة في التنمية سواء في فرص وظيفية سواء في وزارات الدولة أو في القطاع الخاص أو حتى أعمالهم الخاصة، وكل ذلك عائد إلى الطفرة التي يعيشها قطاع التعليم العالي حاليا. وأشار الحريقي إلى أن جامعة الباحة لم تغفل الاستثمار في التدريب والعمل وفق أساليب علمية مدروسة فيما يتعلق بالتعاون مع الجهات الأخرى لخدمة خريجي الجامعة، حيث بدأت جامعة الباحة بالتعاون مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية باسم برنامج "بادر" واسميها بادرة، هي مساهمة من المدينة بالتعاون مع الجامعات لأي صاحب فكرة معينة ويرغب في تطوير فكرته فإن المدينة تقدم له الدعم المالي والاستشارة في المشروع وذلك لأي مجال إبداعي وتقدم له كل الدعم المطلوب. ويتفق الدكتور خالد بن سعد المقرن مدير جامعة المجمعة على أهمية مواكبة الطفرة التي يعيشها التعليم العالي في السعودية، والاستفادة من ذلك بتطوير هذا القطاع بما يتوافق والخطط التي من أجلها تم تطوير هذا القطاع. وقال المقرن إن الجامعة بحكم أنها حديثة النشأة فإنها تعمل على الاستفادة من خريجي الابتعاث وسوف تستقطب المميزين من خريجي برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، وأن ذلك نابع من حرصها على أبناء الوطن والاستفادة من المتميزين. واضاف المقرن ان جامعة المجمعة لديها مشاركات في يوم المهنة الذي يقام في دول العالم التي يدرس فيها الطلاب السعوديون، فضلا عن أنها تستقطب من تراه متميزا من الباحثين والأساتذة العرب وغيرهم للعمل في الجامعة والاستفادة من تميزهم وخبراتهم.