على الرغم من مرور قرابة الثمانية عقود على تأسيس جماعة الإخوان (1928) إلا أن الجماعة الدينية لا تزال على حالها، بل يمكن القول إنها ازدادت مع مرور الزمان انغلاقا وتشددا. وقد يعجب المرء كيف أن الجماعة السياسية (الأقدم) التي تستخدم الدين للترويج لنفسها لم تتغير كثيرا رغم مرور كل تلك السنوات، بل إن الجماعات التي تمكنت من الوصول إلى السلطة أو المشاركة بها في عموم العالم الإسلامي كانت هي تلك التي آثرت الخروج من عباءة التنظيم الدولي. اليوم، وفي ضوء الجدل الدائر حول التوريث بمصر تحولت الجماعة –المحظورة- إلى قضية بدلا من أن تكون طرفا في النقاش السياسي، حيث بدا للكثيرين أن أزمة الخلافة في الجماعة تفوق أهمية الخلافة السياسية في مصر. وقد استدعى هذا الجدل تدخل أطراف كثيرة، كان آخرهم الشيخ يوسف القرضاوي –المرجع الديني لجماعات الإسلام السياسي- والذي خرج عن أدبيات الحزب المعتادة حينما اعتبر إبعاد الإصلاحيين –حسب رأيه- خيانة لتاريخ الجماعة. المرشد العام للإخوان نفسه –مهدي عاكف- اعتبر أن الاعتراض على ترشيحه للقيادي الإخواني عصام العريان نكسة للجماعة التي تحاول الخروج من جمودها السياسي. لقد ظلت جماعة الإخوان متكلسة وجامدة، ويمكن القول إن جماعات دينية متطرفة –كجماعة الجهاد- حققت بعض التقدم حينما أعادت مراجعة أدبياتها ومنهجها، بينما لا يزال منهج الجماعة التربوي والدعوي كما هو إلا إذا استثنينا التغيير السطحي، بل حتى هذا النوع من التغيير بات معطلا مما يدفع بشخصيات دعوية –مسيسة بالطبع- إلى أن تنتهج طريقا مستقلا وتفضل الارتباط الأيدلوجي دونما الارتباط التنظيمي أو الحركي. دعاة كثر تمتلئ بهم الفضائيات العربية والمراكز الإسلامية في الغرب وخلال العالم الإسلامي هم في الحقيقة نتاج غير مباشر لهذه الجماعة الأم، ولكنهم في أحيان كثيرة يفوقون الجماعة في تكيفهم السياسي والاجتماعي، ويفضلون التحالف معها بدل العمل لها. إن من السخرية أن تعاني كبرى الجماعات الإسلامية قاطبة أزمة حكم تماما كتلك التي تعانيها الأنظمة العسكرية والجمهورية التي تنافسها على الحكم. اثنان من المحسوبين على الجماعة عصام العريان وحامد الدفراوي انتقدوا أداء الجماعة بشكل مباشر، حيث انتقد العريان ما أسماه ظاهرة "ترييف الجماعة"، وهي إشارة إلى لجوء الجماعة إلى التركيز على الانتشار والنشاط في الريف المصري عوضا عن المدن الكبيرة التي تشتد فيها قبضة الأمن –كما يقول-، وهذا بدوره أدى إلى خلل في نسيج الجماعة التي انضم إليها –وهو ما لم يرد قوله- أبناء الطبقات الريفية والذين لم يلتحموا بالنشاط المدني –النقابات والاتحادات الطلابية- حيث ينشط الإخوان منذ السبعينيات، والنتيجة أن باتت الجماعة متأثرة بشخصيات منغلقة –مقلدة- تقدم الولاء على التكتيك السياسي. حامد الدفراوي ذهب إلى أبعد من ذلك في مقالة له بالشروق (31 ديسمبر) حيث اتهم بعض أعضاء التنظيم، "جماعة 65" التي يقودها أمين الجماعة محمود عزت، بالتزوير وشكك فى نزاهة انتخابات مجلس شورى الجماعة لعام 2005، وذلك لأنها أجريت بلائحة مزورة حسب قوله. من الواضح أن أزمة الجماعة تفوق أزمة الحزب الوطني، لكن ما تكشفه هذه التطورات هي أن الجماعة الدينية الأكبر في العالم الإسلامي لا تزال تدار من قبل فئة متشددة تمارس ذات الاستبداد السياسي الذي تدعي أنها ضحية له، إذ ليس لديها انتخابات حرة ونزيهة، كما أن أعضاءها يتم ترقيتهم في محفل سري استنادا للولاء التنظيمي. حتى اليوم فشلت جماعة الإخوان في إقناع الداخل والخارج بسلامة منهجها. صحيح أنها تصرح برفضها للعنف لاسيما بعد محاولاتها الإنقلابية المتعددة (1948، 1952، 1954)، إلا أن ذلك يبدو جزءاً من التكتيك السياسي عوضا عن القناعة بالتعددية المدنية، وهو تقليد أرساه المرشد الراحل عمر التلمساني الذي تبنى نظرية "التمدد" على حساب الانقلاب بعد الصفقة التي أجراها مع الرئيس الراحل أنور السادات في السبعينيات. حاليا، تبدو هذه الحركة عاجزة عن التمدد أكثر مما وصلت إليه، وهي في حالة تشبع في أكثر من بلد عربي. حتى أنها عانت وخسرت كثيرا من مراكزها بسبب المد "السلفي" خلال العقدين الماضيين، ولكن الجماعة مازالت أفكارها مثيرة للجدل، فمنذ اغتيال محمود النقراشي –رئيس الوزراء المصري- (1948) على أيدي الإخوان وحتى اليوم لم يطرأ تغيير أيدلوجي أو ارتقاء سياسي في بنية هذه الجماعة، فهي وبحسب برنامج سربته الجماعة –كبالون اختبار- العام الماضي تؤمن بضرورة تأسيس مجلس شرعي (ديني) يكون له سلطة الاعتراض على البرلمان، كما يبدو منه أن الجماعة ما تزال تعارض ولاية المرأة أو غير المسلم (القبطي مثلا) في أي من مناصب الدولة السيادية، وما يجعل الحزب إشكاليا في نظر الكثيرين، أنه وبالرغم من تصريحه الدائم برغبته في تحقيق مصالح الدولة المصرية إلا أنه –وحتى الآن- لا يعارض حسب دستوره الداخلي وصول أي عضو بجماعة الإخوان –من الناحية النظرية- مهما كانت جنسيته إلى عضوية مكتب الإرشاد أو حتى تولي منصب المرشد ذاته. من الطبيعي أن يعتبر الكثيرون مثل هذه الازدواجية مرضاً متأصلاً في بنية هذه الجماعة التي ما تزال تقدم الرابطة الدينية على الرابطة الوطنية في مجتمع يمثل المسيحيين الأقباط 10 بالمائة. جماعة مثل الإخوان رغم جمودها السياسي والفكري ما يزال لديها أرضية وشعبية، وهي في كثير منها ليست عائدة لتميز طرح الإخوان بل لانسداد الأفق السياسي، ولأن الجماعة الدينية الأولى استحوذت على التيار الأعم المتأثر بالمد الإسلامي المسيس منذ انحسار المد القومي، وفي ذات الوقت لم يتسن اختبار الإخوان في مصر تحديدا حيث قاعدتهم الأبرز رغم وضوح فشلهم التشريعي في أكثر من بلد عربي، وأينما ما توجهت الأنظار في المنطقة تجد أن الإخوان بكافة فروعهم –كالأردن وسوريا والكويت وحماس الفلسطينية- هم أكثر الأصوات تشددا وتطرفا في السياق الاجتماعي والسياسي، وهو جزء من تقليد الجمود والتبعية التنظيمية الذي يصبغ هذه الجماعات الطامحة للسلطة تحت شعار المقاومة تارة والأسلمة تارة أخرى. وفي الوقت الذي تمتلئ فيه أدبيات الإخوان بالهجوم على أمريكا والثقافة المادية للغرب ما يزال زعماؤه يعتقدون بأنهم قادرون على عقد صفقة سياسية مع الغرب، على غرار النموذج الخميني الإيراني، حيث يصلون إلى الحكم ويضمنون المصالح الغربية في المنطقة -على الأقل إلى أجل-، ولذلك ترى الأفراد المحسوبين على الإخوان حريصين كل الحرص على التواصل مع الوفود الأمريكية والأوروبية منذ عهد المرشد حسن البنا الذي التقى بالأمريكيين منتصف القرن الماضي، ولكن ما فات على الإخوان إدراكه هو أن العالم تغير منذ عهد المرشد، وهي الرسالة التي نقلها ستيني هوير –عضو الكونغرس الأمريكي- الذي التقى بموفد الإخوان في مقر السفارة الأمريكية بالقاهرة (أبريل 2007). في ظل الحديث اليوم عن صفقة يسعى إليها الإخوان مع السلطة لتأمين مستقبلهم السياسي، فإنه من المثير للاستياء أن تكون جل جهود هذه الجماعة الدينية طوال الثمانين عاما الماضية هو السعي المرضي إلى السلطة، أو على الأقل قريبا البقاء قريبا منها، حتى يتسنى لها انتخابات (بدل الانقلاب)، صوت واحد لمرة واحدة تماما كما هي انتخابات الجماعة.