كلما مرت بنا في شرقنا الأوسط مظاهر انتكاسات قاسية ومؤلمة نتذكر أننا الذين كنا في الماضي نتطلع إلى وحدة عربية شاملة نادى بها الثوريون العرب، لكن ما حدث فيما بعد هو تفكك جزئيات عاجزة عن بناء نفسها، واستعاضت عن مهمة بناء حاضرها مهمات تبادل خصوماتها، حتى أصبحت إسرائيل تمارس ما ترغبه ضد الشعب الفلسطيني مستفيدةً من توالي الضعف العربي بما في ذلك الوضع الفلسطيني.. وقد دعا الملك فيصل - رحمه الله - إلى تضامن إسلامي حقق مكاسب ليست بالقليلة على الأقل أنه كان ردعاً منطقياً لظاهرة الخصومات المتعددة المواقع، بما يعني أننا إذا وجدت بيننا مسببات خصوصات افتعلناها كعرب فإن عقيدة جماعية - الإسلام - من شأنها أن تعيدنا إلى جادة صوابنا متى كان التوحد خلف راية التضامن الإسلامي أكثر جدوى وإيجابية من تعدد الولاءات الإقليمية والحزبية.. أستطيع القول إن إيران من أتت مؤخراً كي تخذل هذا التوجه الكبير، ولكي تضاعف أسباب الخلافات، حيث إذا كانت الفروق الإقليمية والحزبية مشتتة للتعاون العربي فقد اختارت طهران أن تخلق انقساماً إسلامياً لم يكن موجوداً عبر تاريخنا القديم، حيث أن من اختلفوا سنة أو شيعة في الماضي البعيد إنما كانوا يمارسون خلافات شخصية خاصة بهم، لكن الإسلام تبع أي فئة كانوا يرحب بهم متضامنين عاملين من أجل أهداف الخير ونزاهة العبادة.. لقد حاولت إيران جاهدة لكي تشغل شارعها بمشاكل غيره، وهو النازف إهداراً وتشتتاً بفعل صراعات الداخل.. حاولت أن تشغله بوهم أنها قادرة على فرض امتدادات جغرافية تمثلت بكثرة ما يوقف من شاحنات أو بواخر تتوغل لكي تسلح هذه الفئة أو تلك في العالم العربي.. هناك وضوح في التواجد الخشن داخل اليمن، ومثله أيضاً داخل لبنان، مع محاولة اختراق مصر واستيعاب صوت فلسطين.. وما يطرح الآن من تصريحات مخجلة تدعو إلى استقلالية الطوائف هو في الواقع محاولات إشعال فتيل حارق لكي يدخل الإسلام في صراعات لا مبرر ولا فقهية راضية بوجودها.. إن الحج ليس مناسبة مباهاة ولا إساءات من طرف لآخر.. هو فريضة عبادة لا مكان فيها إطلاقاً لمهمة تسييس العقائد مثلما تحدث محاولات تسييس المواقف في لبنان واليمن..