حب الوطن غريزة في الإنسان تخالط دمه وينبض بها وجدانه، وذكريات تجول في مخيلته، لا يمكن لعالي الجبال، ولا لعميق البحار، ولا لأجمل السهول والغابات ولا للأنهار والبحيرات والشلالات وغيرها من عجيب صنع الله في الأرض، لا يمكن لذلك كله أن ينسى حب الوطن وجنين يختلج القلب إليه عندما يبعد عنه، لا تمحوه السنون ولو طالت، ولو سئل أحد المهاجرين عن أعظم أمنية لا تغيب عن خاطره وفكره، لقال: العودة للوطن. حب الوطن أسر القلوب وهيمن عليها، حتى لو شغلت بأحداث الحياة فلا يمكن أن تخفي حب الوطن، لأن حبه فطري غريزي، وأيضاً شرعي ديني، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حق وطنه مكةالمكرمة بعدما هاجر منها إلى المدينةالمنورة (والله إنك أحب البلاد إلي ولو أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت) وقال صلى الله عليه وسلم مؤكداً على معنى حب الوطن (اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة) أما ما يقوله بعض الناس وينسبه للنبي صلى الله عليه سلم بقوله: حب الوطن من الإيمان، فهذا ليس من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكفي الحديثين الصحيحين السابقين في إثبات معنى هذه المقولة. وإذا كانت محبة الوطن غريزية ودينية فإن كراهية الوطن مخالفة للغريزة والفطر ومخالفة للدين، ولا يكره شخص وطنه إلا لانتكاسة في عقله وفطرته، ولهذا من الخطأ أن يقول لا بد من غرس حب الوطن في الناشئة، لكون حب الوطن مغروس في الفطر السليمة، والذي ينبغي أن يقال لا بد من نشر التعليم الذي يرفع من مستوى التفكير الإيجابي وينمي العقل، فإذا فعل ذلك سقينا بذرة حب الوطن، وحب الوفاء في الفطر. وهذا في نظري ملحظ مهم لا ينبغي أن نغلفه. ولعل أحداً يسأل كيف أعرف أن حب الوطن متجذر وموجود؟ وكيف أعرب ضد ذلك؟ أقول لحب الوطن براهين ساطعة مثل الشمس لا يمكن أن تحجب، فحب الوطن كما أنه غزيرة وفطرة ومطلب ديني، كذلك أدلته ظاهرة ومظاهره مشاهدة، في صور من البذل والعطاء والتضحية تخرج من روح وقلب عمره حب الوطن. حب الوطن حقيقة لا خيال، حب الوطن دائم غير منقطع، حب الوطن نعمة لا نقمة حب الوطن سعادة يسعد به المواطن ويسعد به غيره، حب الوطن رسالة يحملها كل مواطن على قلبه ولسانه ويده، حب الوطن سلوة وأنس للأرواح وللأجساد المهاجرة. حب الوطن لا يكذب فيه، لكنه يُكذِّبُ صاحبه، ويظهر ما أخفاه القلب. حب الوطن لا تثبته الشعارات والاحتفالات والذكريات، لكن يثبته عمل دؤوب بنصح وإخلاص ومحبة ليزدهر الوطن بالأعمال الوطنية المجيدة. * كاتب العدل بالرياض