حتى المتفائلون العتاق في الفكر والعمل السياسي العربي باتوا يستغربون بألم عدم تناسب ردود الفعل السياسية العربية بل والفلسطينية مع خطورة بعض الأحداث الجسام في اوطاننا كالهجمة الاسرائيلية الاخيرة على الأقصى واستمرار الحصار على غزة. فهي أحداث تقتضي أن يواجهها العرب والمسلمون وأحرار العالم بأنواع من السخط والرفض والاستنكار والمقاومة والردع تتجاوز بكثير كل ما ظهر من ذلك حتى الآن. فللمسجد الأقصى والقدس حرمة دينية ومكانة قومية وحضارية من الدرجة العالية جدا يعرفها العالم بالمطلق وبالتحديد العرب مسلموهم ومسيحيوهم بنوع خاص. أمام جمهور حاشد ومتعدد في دار الندوة برأس بيروت خاطب الناشط القومي رئيس المركز العربي للتضامن والتواصل الاستاذ معن بشور جمهورا مميزا من المهتمين بحال الأمة لافتا الى خطورة الجريمة الصهيونية الأخيرة ضد المسجد الأقصى المبارك وضد القدس والأهل هناك، فالوقائع جاءت تعلن في الذكرى التاسعة لانتفاضة الأقصى المبارك سقوط كل رهان موهوم على أي تسوية مع العدو الصهيوني وضرورة التفهم الجدي والالتزام الكامل بالشعار السديد الذي كان اعتمده الرئيس جمال عبد الناصر ودعا اليه بأن "ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة" وهو الشعار الذي اسشتهد في ظله الشهيد الطفل ابن القدس محمد الدرة أول شهداء تلك الانتفاضة المباركة المعروفة بانتفاضة الأقصى. ان الرد على الجريمة الصهيونية الأخيرة بحق المسجد الاقصى والأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني حيثما هو يستدعي صحوة قومية عربية ووطنية فلسطينية بل اسلامية شمولية على حجم الحدث الخطير وهذا أول ما يتطلب تحديدا دعوة القوى الفلسطينية كافة الى اطلاق الانتفاضة الثالثة بوجه الاحتلال الاسرائيلي وجرائمه وتحقيق المطالب الوطنية الفلسطينية فورا وكذلك اتمام المصالحة الشاملة وتنفيذ توصيات اجتماعات القاهرة وكذلك عقد قمة عربية واسلامية طارئة مخصصة لما جرى في القدسوفلسطين واصدار قرارات سياسية تحمل المجتمع الدولي ولا سيما ادارة الرئيس أوباما مسؤولية تمادي الصهاينة في جرائمهم واتخاذ قرارات عملية تدعم صمود أهل القدس ومقاومة الشعب الفلسطيني. مستخرجا من الضعف قوة حسب التعبير الشعبي رافضا، الوقوف على اطلال ذكرايين واحدة انهيار الوحدة والثانية وفاة عبد الناصر اكد بشور أن التفجع لا ينهض بالأمة ولا بد من السؤال بجدية ما هو السبيل؟ فلا يجوز البقاء تحت منطق التفجع ولا بد من الانتقال الى التساؤل حول العودة الى تفعيل عناصر الجمع والتوحيد. من مفارقات العصر ، أنه فيما العالم كله، أمما وقارات ، كان يتجمع في وحدات أو تكتلات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية ، بقي العرب وحدهم أسرى التجزئة وضحايا حروب التفتيت وسجناء عصبيات عنصرية وطائفية ومذهبية وفئوية ضيقة. واذا كان المجال لا يتسع لتحليل اسباب هذه المفارقة ، وهي بالتأكيد داخلية وخارجية معا، فان الضرورة تقتضي السؤال بجدية : ما السبيل الى تحقيق الوحدة العربية، اتحادا أم كونفدرالية أم تكاملا أم حتى تضامنا ، بعد كل التجارب المَرة التي عشناها جميعا على مدى نصف قرن . لقد دعا المناضل والمفكر السياسي معن بشور القوى الشعبية للنزول الى الشارع على امتداد الأمة صونا للأقصى ومساندة لشعب فلسطين وفك الحصار عن غزة وكذلك تنفيذ قرار محكمة لاهاي الدولية بهدم جدار الفصل العنصري واستخدام السلاح الاقتصادي (نفط وأرصدة) ضغطا على الدول الداعمة للعدو. وكذلك رأى بشور في محاضرته ضرورة ماسة لوقف كل أشكال التفاوض الفلسطيني مع اسرائيل ووقف كل أشكال التطبيع العربي الاسلامي مع العدو وطرد سفراء الكيان الصهيوني حيثما وجدوا في البلدان الاسلامية والصديقة واحتضان المقاومة كخيار ونهج وثقافة وسلاح في فلسطين وعلى امتداد الأمة باعتباره الوسيلة الجدية لتحرير فلسطين ومواجهة العدو. لقد سبق أن رفع الوحدويون العرب منذ عقود شعارا سليما يقول إن فلسطين طريق الوحدة والوحدة طريق فلسطين، فأين نحن اليوم، يقول بشور، مما كنا نسمع ونقول، فهل سألنا أنفسنا كمعنيين بل مستهدفين حيثما كنا في ذكرى انهيار الوحدة وبعدها ما السبيل الى تحقيق الوحدة العربية وبالاخص كيف يكون ذلك على شكل واقعي اتحادا أو كونفدرالية أم تكاملا أم حتى تضامنا بعد كل التجارب المرة التي مررنا بها ونمر. أسئلة لا يجوز مطلقا أن تطوى بينما الجرائم الاسرائيلية متصاعدة ومكتملة الجهوزية. ان المهمة العاجلة التي يقتضيها السؤال المقلق وفارض نفسه هو "كيف ننقل الى الصدارة من اهتماماتنا وهمومنا هدف الوحدة العربية وخطابها ونهجها" بينما نرى على أرض الواقع كيانات التجزئة نفسها تتفكك حتى التداعي وعصبيات ما دون الوطنية تزدهر وتنمو في التمذهب والانغلاق تدور حول نفسها رافضة كل ما حولها بعلم منها أو بغير علم من مجتمعاتها وأصحابها مطلقة نعوات العروبة والرابطة القومية بالمطلق. دون وقوع في حالة الندب وعادة الرثاء على الاطلال يتوقف بشور عند حدثين فاجعين الاول انهيار الوحدة المصرية السورية التي كان تحقيقها قد دل العرب بشكل ملموس لا يمكن الجدل فيه الى أولوية الوحدة ووجوب بقاء الأمة على طريقها، والثاني وفاة القائد التاريخي الرمز جمال عبد الناصر مصنفا هذين الحدثين بالخسارتين الفادحتين اللتين شكلتا زلزالين داخل النفس العربية. وانّها لفضيحة للعرب أنّه فيما العالم كله يجتمع في وحدات وتكتلات سياسية واقتصادية يبقى العرب وحدهم اسرى التجزئة والعصبيات العنصرية والطائفية والمذهبية. وانطلاقا من فكرة التواصل والتضامن والتكامل بين ابناء الأمة واحرار العالم والتفاتا الى مصالح الناس اليومية لا غنى بعد للعرب من الأخذ بالمبادرات الوحدوية المتدرجة. ان العقل ليسأل ما اذا كان الوقوف في وجه الغرق في الانفصالية بعد انهيار الوحدة لم يكن يتطلب ابتكار صيغ من الروابط الاتحادية المرنة أو اللامركزية الواسعة بحيث لا يكون الخيار حادا أو مقولبا بشكل يفهم منه تخيير قطرين بين وحدة كاملة صارمة أو بقاء التباعد. ومهما يكن الامر فان مثل هذا الخيار كان جديرا بأن يفكر فيه بحيث لا يستمر التخيير بين توحيد صارم فج غير قابل للاستمرار وطلاق يرسّخ التباعد وبقاء التجزئة غير المثمرة على حالها. وقد تساءل الاستاذ بشور في محاضرته، هل يجوز للعرب أن يكونوا الآن متخلفين في المواصلات التي تربط أقطارهم عما كانت الدولة العثمانية قد انجزته مع حليفتها ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى عندما أقامت خط سكة حديد يربط الحجاز باسطنبول بل بما وراءها من الدول الأوروبية وصولا الى برلين . فما فعله العثمانيون قبل الحرب العالمية الأولى خدمة لوحدة امبراطوريتهم وانفتاحها على العالم هل يجوز أن نتخلف عنه نحن العرب في العصر الذي نحن فيه الان حيث يكثر الحديث عن الترابط بين الشعوب ويقل عندنا العمل على بناء المقومات المادية والمؤسساتية التي تجسد هذا الترابط وتحفظه. واذا كان النظر الى الامام صعبا على بعض عرب اليوم فلا بأس بعودتهم بالتاريخ الى الوراء للبحث عن المفقود مما كان متوفرا بين بلدانهم من مقومات تضامن وتواصل متقدمة حتى في تلك العصور.