هناك شكوى مريرة من التعامل مع العديد من المرافق الحيوية التي تضطرنا الظروف أحياناً لطلب خدماتها والرجوع إليها. وإذا كانت الشكوى في الماضي تنصب على آلية عمل بعض المرافق الحكومية. فإن التململ هذه الأيام قد امتد ليصل إلى بعض المرافق التي تعود ملكيتها للقطاع الخاص. وهذه الشكوى تصل إلى درجة التندر والسخرية في بعض الأحيان. ففي عصرنا الإلكتروني هذا، الذي أصبح الناس فيه يتفاعلون مع الظروف المحيطة بهم بشكل أكثر، أخذت الشكوى تطل علينا برأسها في كثير من الأحيان من خلال مرفقات البريد الإلكتروني. فهذه المرفقات المشحونة بالدعابة والسخرية والفكاهة المضحكة على العديد من أوجه القصور التي يواجهها الناس خلال تعاملاتهم مع بعض المرافق الحيوية، التي تعود ملكيتها سواء للقطاع العام أو الخاص، قد غدت أداة للتنفيس عن سوء حظهم الذي أدى بهم وقاد أرجلهم نحو تلك الأبواب شبه الموصدة من شدة البيروقراطية. والفكاهة والتندر على أية حال أمر طيب يدل على روح المرح والدعابة التي نتمتع بها. ولكون خادمكم المطيع أعزائي القراء ليس من محبي التعامل الواسع مع البريد الإلكتروني فإني وددت أن أنقل لكم ما صادفته قبل عدة أيام مباشرة عندما عاكسني الحظ وقادني لأحد مرافقنا الحيوية. وأنا هنا لا أريد أن أشير إلى مسمى ذاك المرفق ولا إلى ما إذا كان عاماً أو خاصاً. فهذه السطور تهدف إلى أكثر من ذلك ،إذ لسوء الحظ أني قد تأخرت في إنجاز معاملة كان يفترض أن تتم خلال شهر رمضان المبارك، ولهذا ذهبت لانهائها بداية هذا الأسبوع، ولكم أن تتصورا الارتياح الذي غمرني عندما طلب مني مراجعة إدارة المبيعات لإرسال برقية بخصوص معاملتي المتأخرة إلى المقر الرئيسي للمنشأة والتي تقع في مدينة أخرى غير مدينة الرياض. بيد أن الفرحة ما طالت، إذ لا يمكن أن يخطر على البال أن الفرق الزمني بين عملية الإبراق والوقت اللازم لإنهاء الأمر المبرق بشأنه يستغرق مدة قد تطول إلى ثمانية أشهر، وقد تكون كلمة البرقية هي المذنبة في هذا الأشكال، فنحن قد تعودنا أن الإبراق يستخدم للإسراع في إنجاز الأمور إذا لم يكن بسرعة البرق فعلى الأقل بسرعة الرعد، ولذلك كنت أتوقع أن ينتهي الموضوع خلال ثماني ساعات أو أربع وعشرين ساعة أو فلنقل أسبوعاً على الأكثر. أما الثمانية أشهر فمن أين أتوا بها؟ إذاً فلماذا الإبراق أصلاً إذا كانت المعاملة لن تنجز إلا في جمادى من العام القادم؟ هذا هو اللغز المحير. وما يهمني بالدرجة الأولى من القصة التي سقتها للتو هو الآلية التي تعمل بها بعض مرافقنا والتي لا زالت تتنفس حتى اليوم رائحة الورق الأصفر المتكدس لمعاملات المئات بل آلاف المواطنين. فهذه المؤسسات يفترض أن يؤخذ بيدها للالتحاق بغيرها من المؤسسات، الحكومية والخاصة، الطليعة التي تنهي معاملاتها الجمهور معها عبر الشبكة الإلكترونية. أما تلك الجهات التي لا زالت تغط في سباتها فعليها أن تصحو وتتنبه إلى أننا في عصر التحول نحو الحكومة والمؤسسة والشركة الإلكترونية. إن اختصار الدورة الورقية أو بالأصح الدورة البيروقراطية أمر مهم من الناحية الاقتصادية لأي بلد. ولذلك نرى سرعة انتشار ظاهرة تجميع العديد من الجهات التي يراجعها الناس وقطاع الأعمال تحت سقف واحد One stop shop كما هو عليه الحال في الهيئة العامة للاستثمار والغرف التجارية. فطول دورة الإجراءات أمر مكلف مادياً ومعنوياً. فالموضوع من الأهمية، بحيث أصبح ضمن المؤشرات المهمة التي تعتمد عليها هيئات التصنيف الدولية لقياس تنافسية اقتصاد هذا البلد أو ذاك. ولهذا فإنه حبذا لو تدرج عملية التحول نحو الحكومة والشركة الالكترونية ضمن أهداف خططنا التنموية ووضع الحوافز والتسهيلات اللازمة من أجل انتقالنا إلى العصر الالكتروني في أسرع وقت ممكن.