أكد الرئيس الروسي، دميتري ميدفيديف، خلال استقباله وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، في الثالث عشر من تشرين الأول أكتوبر 2009، أن التعاون بين روسياوالولاياتالمتحدة يرتقى إلى مستوى رفيع.وأن البلدين يناقشان باهتمام وصراحة عدداً من القضايا الدولية الكبرى.ومن بينها قضايا الشرق الأوسط وإيران وكوريا الشمالية. وقد وضع الروس في صدارة مباحثاتهم مع الوزيرة كلينتون مسألة توقيع اتفاقية جديدة لتخفيض مخزون الدولتين من الأسلحة الإستراتيجية الهجومية، لتحل محل الاتفاقية التي سينتهي مفعولها في كانون الأول ديسمبر 2009.وتطالب موسكو بتقليص هذا المخزون إلى 500 وسيلة (معظمها صواريخ صممت لحمل الرؤوس النووية المدمرة)، في حين تطالب واشنطن بأن لا يقل مخزونها من وسائل إيصال الأسلحة النووية عن 1100 وسيلة. والمسألة الثانية، التي انصب عليها الاهتمام الروسي، خلال المباحثات مع الوزيرة كلينتون، هي بحث إمكانية التعاون في إطار مشروع الدرع الصاروخي الأميركي المعدل، المقرر نصبه في أوروبا، وعدد من مناطق العالم. وقد أوضح مايكل ماكفول، مستشار الرئيس الأميركي لشؤون روسيا وأوروبا، أن وفد بلاده قد جاء إلى موسكو باقتراح لإنشاء درع صاروخية مشتركة. وقال الروس، من ناحيتهم، أنهم ما زالوا عند موقفهم الداعي لإنشاء منظومة دفاع صاروخي مشتركة مع الولاياتالمتحدة وحلف شمال الأطلسي ( الناتو). ولا زالوا متمسكين باقتراحهم القائل باستخدام محطتي الرادار الروسيتين في كل من غابالا (أذربيجان) وأرمافير في الجنوب الروسي. على صعيد الملف النووي الإيراني، قالت وسائل الإعلام الأميركية إن أخذ موافقة موسكو على عقوبات جديدة ضد إيران، في حالة فشل المباحثات الجارية، يمثل الهدف الأساسي لزيارة كلينتون للعاصمة الروسية. كذلك، ذهبت إلى هذا المنحى صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، معتبرة أن أحد أهداف كلينتون يتمثل في إقناع روسيا بالضغط على إيران من أجل "نزع فتيل حرب محتملة" في الشرق الأوسط. وقد صرح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأنه جرى بحث الملف النووي الإيراني مع الوزيرة كلينتون، إلا أنه شدد، في الوقت نفسه، على القول بأن المجتمع الدولي لم يستنفد بعد الوسائل الدبلوماسية لمعالجة القضايا العالقة مع طهران.وقال لافروف، خلال مؤتمر صحفي مع الوزيرة كلينتون، إن روسيا تعارض فرض عقوبات خارج إطار الأممالمتحدة، وأنها تقف موقفاً متحفظاً، من حيث المبدأ، تجاه العقوبات، لأن هذا الإجراء نادراً ما يعطي النتيجة المرجوة منه. وكانت إيران قد اتفقت مع السداسي الدولي (الولاياتالمتحدةوروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا)، على إمكانية تخصيب اليورانيوم الإيراني في الخارج. وذلك خلال مباحثات جنيف، التي جرت في الأول من تشرين الأول أكتوبر 2009.وبموجب اتفاق جنيف، سوف ترسل إيران نحو 80% من مخزونها من اليورانيوم، المخصب بنسبة تقارب 3,5% ، إلى روسيا، حيث يستكمل تخصيبه بنسبة 19,75%، وهي نسبة بعيدة كثيراً عن النسبة المطلوبة للاستخدام العسكري. وبحسب مصادر الوفد الأميركي في مباحثات جنيف، فإن فنيين فرنسيين سوف يقومون بعد ذلك بتحويل اليورانيوم المخصب في روسيا إلى قضبان وقود، ترسل بعدها من فرنسا إلى إيران، من أجل إمداد مفاعل أبحاث في طهران.وكانت آخر إمدادات لهذا المفاعل قد قدمت من قبل الحكومة الأرجنتينية في مطلع العام 1990. كذلك، وافقت إيران، خلال اجتماعات جنيف، على السماح لمفتشي الأممالمتحدة بالدخول إلى منشأة قم الجديدة لتخصيب اليورانيوم، التي كشف النقاب عنها حديثاً. وكان من نتائج مباحثات جنيف أيضاً، اللقاء الذي جمع بين وكيل وزارة الخارجية الأميركية، وليام بيرنز، وأمين مجلس الأمن القومي الإيراني ، سعيد جليلي. وقد مثل هذا اللقاء أول محادثات مباشرة تجري على مستوى رفيع بين الولاياتالمتحدةوإيران، منذ ثلاثة عقود.وهو قد عكس محاولات الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لإعادة صوغ العلاقة مع طهران. ومن وجهة نظر المجتمع الدولي، فإن المكسب المحتمل من اتفاق جنيف الخاصة بتخصيب اليورانيوم الإيراني، يتمثل في تقليل مخزون إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب.ويُمثل تحويل هذا اليورانيوم إلى وقود للمفاعلات النووية الإيرانية في بلدان أخرى طريقة ناجعة لمعالجة ما بات يُعرف بالمشكلة النووية الإيرانية. في المقابل، يتيح الوضع الراهن لإيران إنشاء بنية تحتية صناعية تمكنها من صناعة سلاح نووي خلال بضعة أشهر، بعد اتخاذ القرار السياسي بهذا الشأن، والارتقاء بذلك إلى مصاف دول مثل اليابان وألمانيا. وقد أعلنت إيران رسمياً أن بعض الدول عرضت تزويدها بيورانيوم مخصب حتى نسبة 19,75% لاستخدامه كوقود نووي.وقال الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، بأنه "كانت هناك مقترحات، قدمتها دول منفردة ومجموعات دول، ونحن مستعدون لإجراء مفاوضات مع كل من يهمه الأمر. وسيبدأ خبراؤنا قريباً محادثات مع هؤلاء البائعين".وقال الرئيس الإيراني إن إيران يُمكن أن تشتري كذلك وقوداً نووياً من الولاياتالمتحدة. وبالعودة إلى النقاش الأميركي الروسي حول إيران، فقد استبعدت وسائل الإعلام الأميركية حدوث أي تحوّل ذو مغزى في الموقف الروسي من الملف النووي الإيراني، وخاصة فيما يتعلق بفرض عقوبات جديدة على طهران. وعلى مستوى الحسابات المباشرة، لا تمثل إيران مكسباً تجارياً أو اقتصادياً بارزاً بالنسبة للروس، فهي ليست ضمن العشرة الأوائل بين شركاء روسيا التجاريين. ولا يتجاوز التبادل التجاري بين البلدين 3.2 مليارات دولار، حسب آخر الإحصاءات، في حين أن إيران ترتبط بعلاقات تجارية واسعة مع كل من الصين واليابان ودول الاتحاد الأوروبي.وتعمل فيها، على سبيل المثال، أكثر من خمسة آلاف شركة ألمانية. وعلى الرغم من ذلك، فإن روسيا تحتاج إلى إيران لاعتبارات استراتيجية، ذات صلة بالتنافس الدولي، في كل من القوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط. ويضاف إليها اعتبارات مرتبطة بسوق الطاقة، وخاصة الغاز الطبيعي. وقد ذهبت بعض الأوساط الغربية إلى حد اتهام روسيا بدعم البرنامج النووي الإيراني، انطلاقاً من حسابات جيوسياسية بعيدة المدى. وعلى ذمة صحيفة "صنداي تايمز" اللندنية، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد زار موسكو سراً، ليقدم إلى القيادة الروسية "كشفاً بأسماء الخبراء الروس"، الذين يشاركون في البحوث النووية الإيرانية، راجياً منها إعادتهم إلى وطنهم. وحسب بعض الباحثين الأميركيين، فإن علماء روس ربما عملوا في إيران في أعوام مضت، أما الآن فإن طهران قد باتت في غنى عنهم. وأياً يكن الأمر، فإذا كانت السياسة حسابات ربح وخسارة، فإن أحداً لا يمكنه أن يتوقع تخلي روسيا عن إيران، في ظل المعطيات الراهنة للبيئة الدولية.