نهر النيل مصدر الحياة لأرض مصر ، وكما قال المؤرخ اليوناني القديم هيرودوت : " مصر هبة النيل " .. فمياهه تحمل الخصب والنماء ، وفوق متون المراكب والسفن ، تنقّل الفراعنة داخل البلاد ، على صفحة هذا النهر العظيم ، كانوا يحتاجون إلى الأشرعة فقط عند الإبحار جنوبا عكس التيار ، لكن السواري كانت تتدلى على ظهر السفينة ، عند الإبحار شمالا مع التيار. هذا المشهد لم يتغير منذ آلاف السنين ، فما زالت المراكب تفرد أشرعتها فوق الأمواج الناعمة ، وهي تحمل الباحثين عن النسيم العليل .. ومازالت نزهة على الكورنيش ، منتهى غاية الشباب البسطاء ، فهي لا تكلفهم إلا بضعة جنيهات .. وأحيانا يكفيهم الاستمتاع بجمال النيل ونسيمه بالمجان .. أما السائحون فيصفون مياهه بأنها أعذب مياه في العالم ، ولأنهم يشتاقون للعودة إلى النهر ، فقد خرجت مقولة : " من يشرب من النيل ، لا بد ان يعود له مرة اخرى ". لكن مع نسمات الخريف الباردة ، التي تسبق هبوب رياح الشتاء ، بدأ النيل يودع عشاقه .. وهذه هي حكاية المصريين مع النهر العظيم: منذ الصباح الباكر وحتى الظهيرة ، يجدف الصيادون بمراكبهم الصغيرة " الفلوكة " ، سعيا وراء رزقهم من الأسماك ، ناشرين الشباك أحيانا ، أو مستخدمين سنارة الصيد .. وبجانب مراكبهم الصغيرة ، تمضي البواخر والمطاعم العائمة الفخمة جيئة وذهابا ، حاملة المتنزهين في جولات على صفحات نهر النيل ، في رحلة غذاء أو عشاء تستغرق ساعتين .. وهناك أيضا المراكب الشراعية الكبيرة ، أو اللنشات التي تتلالأ عليها الأضواء في المساء ، التي تحمل المتنزهين ، والأتوبيسات النهرية التي تنقل الركاب بين ضفتي النهر. اذا كان هذا الحال فوق صفحة المياه ، فإن المشهد على ضفتي النيل لا يقل ابداعا .. فبعدما أصبح ارتياد المصايف رفاهية بالنسبة للكثير من المصريين ، وجد البسطاء في " كورنيش النيل" أو على الكباري المطلة عليه ، متنفسا لهم لقضاء أمسيات صيفية جميلة .. ويعد الكورنيش أيضا المكان المثالي للشباب الفقراء ، الباحثين عن نزهات مجانية أو رخيصة ، وبالطبع ينتشر باعة الفل والبطاطا مركب شراعي صغير يستخدم للصيد والنقل عبر ضفتي النيل والتسالي و" حمص الشام " ، الذين أصبح النيل وعشاقه مصدر رزقهم الوحيد. على الكورنيش يستمتع السياح أيضا بركوب " الحنطور " ، في جولة على ضفاف النيل في ليل القاهرة الصيفي ، حيث نسمات الهواء تنعش النفوس ، وانعكاس الأضواء في الماء تسعد القلوب ، وهم يركبون إحدى وسائل النقل التي تعود لعشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي ، عندما كان الحنطور هو وسيلة الانتقال الأساسية في مصر ، لكنه أصبح الآن مجرد نوع من التراث. يحمل " النيل " اسمه من المصطلح اليوناني Neilos ، وهو ثاني أطول انهار العالم ، حيث يبلغ طوله من منابعه في بحيرة فيكتوريا حتى مصبه في البحر المتوسط 6690 كيلو متراً ، ويغطي مساحة مقدارها 1.9 مليون كيلو متر مربع ، تعترضه خلال هذه المسيرة الطويلة مساقط ومنحدرات ، يتخطاها بقوة صعوداً أو هبوطا ، أثناء مروره في 10 دول هي : تنزانيا – كينيا – زائير – بوروندي – رواندا – اثيوبيا – اريتريا – أوغندا – السودان – مصر " دولة المصب " . الشباب يقضون اوقاتا ممتعة على الكورنيش