كيف يحيط الكاتب شخوصه بسلطة الحاكم على شعبه ، كيف يتعاطى مع الشخوص ويحركها في فضاء الرواية بسلطة الكتاب ، وهل يدع الكاتب لشخوصه مساحة من الحرية لتعبر عن ذواتها ؟ سؤال طرحناه على عدد من كتاب الرواية فجاءتنا إجاباتهم كالتالي:يقول الروائي عبده خال: مسألة كتابة الرواية تتم من خلال عمليات متعددة وهذه العمليات يفرزها الواقع الثقافي للكاتب نفسه ، وأذكر أني كتبت أن الروائي شخص ديكتاتوري في المقام الأول ، لأن هذه الصفة تمكنه من السيطرة على شخصيات الرواية ، فلو لم يكن بهذه الصفة لحدث نوع من التلاعب من قبل الشخصيات في العمل وأحدثوا فوضى عارمة داخله. وعودة لسؤالك: فقد درجت الرقابة التي يمارسها الروائي في عمله يتحكم فيها عدة معطيات وأبرزها : درجة صدق الكاتب ، فلو كان صادقا مع واقعه ومجتمعه فإنه لايستطيع أن يكتم أصوات شخوصه وهذا اليقين يقابله رغبة الكاتب في إجازة هذا العمل من قبل الرقابة المحلية.ويضيف خال: وبين صدقه ورغبته تنشأ عمليات الحذف والوصاية على الشخوص وبالتالي يظهر العمل لايمثل الواقع ولا الشخوص. وثمة طريق آخر يمكن للكاتب من أن يبقي على صدقه من خلال أن يقوم بإخراج انتاجه عن طريق خارج الرقيب المحلي وهذا مايجعلنا نرى أن الروايات أصبحت تنتج خارجيا أكثر منها محليا.ويشير خال بقوله: لا أقصد بقولي ديكتاتوري بأن يحبس أفكار الشخصيات بل التناغم الحركي للشخصيات داخل العمل. أما القاص محمد المنصور الشقحاء فيجيب بقوله: النص الإبداعي وأنا هنا أتكلم عن القصة القصيرة بصفتي قاصا هي شكل من أشكال الوعي، تتجاوز الواقع وان حملت همومه وأهدافه، وشخصيات النص تمزج الأشياء؛ معه يستطيع القاص إبراز ثقافته السياسية والاجتماعية من خلال التناقض الذي يمارسه احد أبطال النص الذي قد يكون الكاتب ذاته. والرقابة هنا منطلقها ليس ذاتيا بقدر ما يكون فنيا لنص مكتمل فكرة وموضوعا يحمل هدفا وتحرك الشخصيات يفرضها مضمون النص الذي يتشكل حسب أيدلوجية الكاتب. ولا يخرج عن ثقافته الاجتماعية ووفق منجزه المدرك أهمية الارتباط بمحيطه ونسج رفضه والقبول لرسم عالم قادم افضل. القصة القصيرة مادة لطرح الاختيارات ورصد حراك نموذج اجتماعي من خلال انشغالاته الفكرية مع تفجير القوالب الفنية والدلالية ومن خلال الذاتي الذي تتداخل فيه أبعاد وطنية وانسانية. من هنا يدرك المتابع ان حدود الرقابة وعبر نصف قرن من المنجز في مجال القصة القصيرة لم يستطع القارئ الراصد وكذلك الناقد أن يشرعن هذه الرقابة وربطها بالكاتب إنما هي تأتي من الحكومة في أي مكان لمجرد العبث الذي معه يستغل البعض هذه الحالة لبناء مجد خاص ينهار بالتقادم.ويقول الروائي أحمد الدويحي: سؤال يغري جداً . ويحرض على تقليب الأوراق والذاكرة والتجربة ، فالكتابة الروائية تنطلق من فضاء الواقع إلى فضاء متخيل ، ينسجه كاتب لعالم متنوع ، تتعدد فيه مستويات الحكي ، وتتغير الأزمنة والأمكنة والشخوص والفضاء والحرية بين كاتب وكاتب . . ومثل هذه المقاييس ، نجدها موازية للفضاء السردي المحلي ، وسأضع نفسي هنا مكان الطبيب النفسي ، ليتمثل (غياب مراكز البحوث والدراسات) لثلاثة أجيال من الكتابة السردية في بلادنا ، توازي الواقع الذي يتشبث بالماضي ولغة القبور ، والحاضر الذي يكتوي بلغة المعاش اليومي ، وجيل التقنية الحديثة وقد خلق له فضاءه ولغته . . فضاء هائل من الفضاء السردي ، منذ هرب إبراهيم الناصر الحميدان ببطل ( السفينة ) إلى خارج الحدود ، وفعل موقتاً ذلك محمد عبده يماني ، وتبعه إلى آخر حرف عبد الرحمن منيف ، كنت أجدني ميالاً إلى حرية الفضاء وحساسية الكاتب و ( توطين ) بطل النص . . وتبقى الكتابة بلا حرية خداع للذات ، فالكتابة الحرة تحرر الذات . . وصدفة أقرأ اليوم رواية لكاتب ، يتحرر في فضاء ( حر ) يقفز فوق كل ما نصرخ صباحاً ومساء به ، اليقظة وحرمة ( التابو ) المقدس ، فالبطل ببساطة ( حكم ) بين والديه ، وقد قذفته الأقدار إلى واقع حر وجديد . . ولكنه يريد أن يتحرر من الماضي في ( شخص ) والده الذي يرمز للماضي . . انها ذاكرة الأجيال التي يجب صونها أولاً ، واحترام حقوقها في الحياة ، كتبت دائماً وعيني على المستقبل ، يحدث التماس مع الواقع ويتداخل الفنتازي ، فتسكن أوجاعي وتهدأ براكيني شيئاً فشيئاً ، وقد يتشكل لون وجنس العاطفة ب( بطل ) النص مذاق الكتابة ، ويحدث أن يكون هذا البطل وله جذر تراكمي ، ينمو ويتصاعد وفق سياقات النص بالمعرفة وبالتلقائية حيناً ، وأشعر الآن كم هي مهولة الدروب والسياقات ، وكم هي مؤلمة تكريس حالة اختزالها في دلالة واحدة ، المرأة هذا الكائن السحري في كل زمان ومكان ، فلا نرى منه إلا الجانب المعتم ، أرفض جداً كل نصوص روائية ، تتكئ صراحة وبوضح على هذا السياق في خطابها مهما كانت جرأته ، فالوردة التي تفوح لفجر جديد ، لا تبالي إذا كان الشوك مزق أصابع كثيرة ، وكثير في الواقع لا يجرؤ على قبول الرأي والرأي الآخر ، استنطاق بطل النص وتضخيمه كأسطورة من التراث العربي ، والمضي في عالم الميتافيزيقيا أجده بين نصوصي الأخيرة ، ويطغى على واقع بصراحة أجده في نصوص الشباب ، والمفرح أن تكون تجاربهم البكر. ويحدثنا الكاتب والأديب محمد علوان فيقول: في الفن الخالص الذي يتوق إلى الخلود والديمومة وينأى بنفسه عن أن هذا الإبداع متكرر أو يشبه إبداعا آخر هو مقصد كل كاتب وحلم كل مبدع لأن معنى ذلك أن نكون متفردين في الشكل كما هو في الموضوع ، ولأن مجتمعنا مجتمع مختلف وعبر سنين من الجهل والتخلف الذي بدأ ينزاح قليلا قليلا كما هي الشعوب العربية الأخرى التي سبقتنا نحو فضاء أرحب وسماء عالية تضم كل المبدعين ، الرقيب الذاتي يحمله كل منا ويتفاداه ما استطاع لكن سطوته تكاد تكون قاتلة ومميتة لا للكاتب نفسه ولكن ذلك التشويه أو عدم نضج العمل هو الذي يحيط بالنص فيبدو هزيلا أو متفككا نحمل الرقيب الذي لا يوافق على البوح ، يقف حائلا ليس من داخلنا فقط بل هو نفسه يطل من دواخلنا ليجد رقيبا آخر أشد سطوة و أكثر شراسة منه ليعود إلى الكاتب أو المبدع وكأنه يقول : أنا أرحم من ذلك الرقيب الخارجي الذي يتكئ على معيار الأخلاق والعادات والدين ولا يعنيه أبدا معيار الفن وحدود حريته التي لا تحد وهي المقياس الحقيقي للفن ، نعم أبصم بالعشرة أن معظم أعمالنا عاث بها الرقيب الذاتي والذي يستمد قوته من الرقيب الآخر الذي يحمل سطوة المجتمع وجبروته وقانونه غير المرئي ، لذلك فهناك عوالم في رواية أو قصة أو قصيدة هذا المجتمع تقبع في ظلام دامس خوفا من أن تلصق هذه السمات بالمؤلف الذي يمكن للمجتمع أن يحاكمه عليها ، لكن إضاءة رائعة بدأت بالانفلات من سطوة الرقيب الذاتي. -+