في هذه الأيام تعيش بلادنا ذكرى اليوم الوطني الذي هو شعور بالوحدة والتآلف وهو بلا شك فرصة سانحة للجميع لتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة في التعامل مع هذا اليوم، فهو ليس ترديدا للنشيد الوطني أو رفعا للعلم أو احتفالا مبالغا فيه من بعض الشباب في الشوارع والذي قد يسيء للآخرين ويضايقهم فلا يتفاعلون مع هذا اليوم (مقيمين أو مواطنين) بشكل إيجابي، فالواجب علينا أن نترجم يومنا إلى فرح وابتهاج بوحدة بلادنا تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله وتحت قيادة رشيدة مخلصة عملت على جمع الكلمة والنهوض بالبلاد على يد مؤسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه الذي رسم خارطة الطريق لهذه البلاد فأسس كياناً سياسياً له مكانته بين دول العالم. إن من يقرأ التاريخ يجد أنه مع ضعف الخلافة الإسلامية عاشت شبه الجزيرة العربية قروناً عديدة في سبات عمق لأسباب عدة منها بعدها عن المراكز السياسية وضعف مواردها الاقتصادية باستثناء إقليم الحجز، وهذا ما أدى إلى انتشار البدع والخرافات وساد الجهل بين الناس في أمور عقيدتهم وسيطر على شبه الجزيرة العربية كيانات سياسية ضعيفة متناحرة فيما بينها، بل لقد تجاوزوا ذلك إلى الاستعانة والتحالف مع الدول الأجنبية لنصرتهم على الآخرين، ناهيك عن سيطرة القبائل على المناطق الجبلية والداخلية، وكما هو معروف فإن حكم القبائل يخضع لعادات وتقاليد وأعراف ربما تشجع على الحروب وتعطي لشيخ القبيلة الحكم المطلق الذي يؤدي إلى تفرده بالقرار واستبداده في بعض الأحيان. وفي عام 1319ه انطلق صقر الجزيرة الملك عبدالعزيز بجيش من المتطوعين الذين أخلصوا النية لله تعالى وعزموا على تخليص هذه البلاد مما حل بها فاستطاعوا خلال ما يزيد على الثلاثة عقود أن يوحدوا هذه البلاد تحت راية الإسلام وأن يقضي الملك عبدالعزيز ومن معه على هذه الدويلات الضعيفة فأصبح لهذه البلاد كياناً سياسياً وعسكرياً جديداً دستوره كتاب الله وسنّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. لقد مرت مسيرة التوحيد بمراحل كثيرة بذل فيها الكثير من الجهد والعرق والدم وكان لحنكة الملك عبدالعزيز دوراً فاعلاً في تصحيح المسيرة والوصول بها إلى بر الأمان لأنه رحمه الله حرص على البناء لا الهدم والجمع لا التفرقة فحارب هذا وصالح ذاك وعفا عن البعض لتتوحد البلاد وتجتمع كلمتها فلا تعود للتناحر والتخلف والجهل. وبعد استقرار الأمور للملك عبدالعزيز تفرغ للتصدي لبعض الفئات التي حرصت على أن تبقى هذه البلاد ضعيفة ومفككة لأن كسبهم من السلب والنهب فأثمرت جهوده إيجاباً ليزداد عدد الحجاج والمعتمرين للأماكن المقدسة بعد تأمين الطرق التي يسلكونها لأن واجب بلادنا حكومة وشعباً هو خدمتهم وحمايتهم منذ وصولهم وحتى عودتهم إلى بلادهم سالمين. بعد ذلك انطلق جلالته لمحاربة الثالوث الخطير الفقر والجهل والمرض ثم بدأ بالتنقيب عن الموارد الطبيعية واكتشافها واستغلالها وهو ما يدل على بُعد نظره لأن ما زرعه رحمه الله في ذلك الوقت جنينا ثماره فيما بعد متمثلاً في رغد العيش والأمن والأمان ولله الحمد. أما السياسة الخارجية فقد أصبحت المملكة العربية السعودية دولة لها ثقل سياسي على المستوى الإسلامي والدولي فشاركت المملكة في تأسيس جامعة الدول العربية وهيئة الأممالمتحدة ووقعت الاتفاقيات المختلفة، وأصبحت المملكة دولة معتدلة في سياستها لا تتدخل في شؤون الآخرين ولا تناصر دولة ضد أخرى لأن الهدف السامي هو الإصلاح وجمع الكلمة والتوفيق بين الدول الشقيقة والصديقة. إن الفرحة بهذا اليوم الذي نحتفل به يوجب علينا أن نعرف ونفرق بين معنى الوطن والوطنية، فالوطن هو الأرض التي نسكن عليها ونشعر بالارتباط لها وأنه الحب والعطاء والتضحية، أما الوطنية فهي سلوك يمارس على أرض الواقع وليس شعارات أو احتفالات نرددها لساعات قليلة ثم تنتهي وبمعنى أصح حينما نمارس السلوك الإيجابي نكون مواطنين صالحين لأن المواطن الصالح هو من يترجم هذا الحب إلى أعمال وأفعال: فالوطنية: أن نعرف أن المملكة ليست البلد المسلم الوحيد في هذا العالم، وإنما من البلدان المسلمة المهمة لوجود الحرمين الشريفين فيها وهو ما يوجب علينا خدمة حجاج وزوار هذه الأماكن المقدسة وتقديم كل ما يلزم لراحتهم. والوطنية: أن نحافظ على مكتسبات هذا الوطن وأن نعرف أنها ليست لفترة محدودة أو لجيل دون سواه، وإنما هي للأجيال القادمة التي ستحمل الراية من بعدنا ومن هنا يجب أن نقدم مصلحة الوطن على مصالحنا الشخصية. والوطنية: أن يدرك بعض رجال الأعمال أن لهم دورا مهما في نهضة هذه البلاد وأن تكون شركاتهم أو مؤسساتهم الملاذ الآمن لاستيعاب خريجي هذه الجامعات وإتاحة فرص العمل لهم وجعلهم الركيزة الأساسية لأعمالهم التجارية، كما أن عليهم أن يدركوا أن لهم دورا بارزا في دعم المراكز الاجتماعية والصحية والمشاركة في تأسيسها. والوطنية: أن تساهم البنوك بجزء من الأرباح الهائلة التي تحصل عليها بدعم المشاريع الترفيهية للمواطنين لأنها المجال الأنسب لخلق الإبداع والابتكار بين الشباب إذا ما توفر لهم الدعم المادي عن طريق الجوائز المتنوعة التي ستساهم في التلاحم بين أفراد المجتمع. والوطنية: أن يكون للمنزل دور مهم في تربية الأبناء وزرع القيم الإسلامية فيهم ليكونوا مواطنين صالحين يستفيد منهم الوطن في قادم الأيام، وأن يسعوا لتحصينهم ضد الأفكار الهدامة والدخيلة على مجتمعنا. والوطنية: أن يكون للمدرسة ورجال التربية دور بارز في غرس الصفات الحميدة في نفوس أبنائنا وأن يتعاونوا مع المنزل لخلق جيل نفاخر به بين الشعوب لأن دور المدرسة شامل وأثرها عام في نفوس الطلاب والطالبات وأبرزه: - زرع حب الوطن في نفوس الأبناء. - تذكيرهم بالإنجازات التي تحققت وضرورة المحافظة عليها. - زرع روح الولاء والطاعة والمحبة لولاة الأمر. - إيضاح أهمية الأمن للأوطان وضرورة تعاونهم مع الجهات المسئولة لحماية وطنهم. - تذكيرهم بتاريخ الآباء والأجداد ليقارنوا بين الماضي والحاضر وكيف كنا وكيف أصبحنا. - تعريفهم بقيمة الوطن ليكونوا صورة صادقة له في الداخل والخارج. - زرع روح المشاركة ليكونوا عيوناً ساهرة لهذا البلد ضد كل من تسول له نفسه المساس بأمنه. وأخيراً الوطنية: ألا ننسى دور الإعلام لأنه المرآة الحقيقة التي تعكس نبض الشارع وتترجم حضارته وثقافته للأمم الأخرى بالإضافة إلى دوره في توعية المواطن بأهمية وطنه وزرع روح الولاء للوطن والتذكير بالنهضة التي تعيشها بلادنا في شتى المجالات. حمى الله وطننا من كل مكروه وأعاد علينا يومنا الوطني أعواماً وأعواماً إنه على كل شيء قدير. * مكتب الإشراف التربوي