اثنان وثلاثون عاماً من الجهاد بذلها صقر الجزيرة العربية جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - ليعلن بعدها تأسيس الدولة الفتية المملكة العربية السعودية، فتوحدت القلوب المتناحرة وتعاهدت على العمل المخلص بهدف رفعة هذه البلا وشعبها المعطاء، الذي استشعر مسئولية الوحدة والانتماء لقبلة الإسلام والمسلمين، فغدا الشغل الشاغل للأبناء والآباء مبدأ الوطن أولا وأخيرا ولا شيء سواه، و"الرياض" تستنطق في هذه المناسبة مشاعر الوحدة ودلالاتها ومعانيها وأسرار تحقيقها من قلوب نماذج مخلصة من أبناء الوحدة السعودية احتفاء بالذكرى التاسعة والسبعين لوطننا الغالي. بداية قال الأستاذ الدكتور إبراهيم بن مبارك الجوير عضو مجلس الشورى، أستاذ علم الاجتماع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: يوم الوطن يوم راسخ في التاريخ، يوم يجدد لنا ذكريات بناء الأمة، أمة قامت وتوحدت على كلمة التوحيد، وبالتوحيد قادها الملك عبدالعزيز رحمه الله ومعه رجاله المخلصون، وتمضي المملكة في بناء وحدة وعدالة وتنمية وتعليم وثقافة، كانت قبائل وقرى وهجر وبوادي متفرقة، وأصبحت دولة ذات مؤسسات وأنظمة، إنه يوم يؤكد الانتماء ويتعمق الولاء، يتجدد فيه إدراك الأجيال تلو الأجيال، بقيمة الوطن وأهمية الوحدة، ويتجدد فيه إيمان الأجيال أن هذا البلد هو بلدنا وأن صدق الانتماء وعمق الولاء يتطلب استمرار العمل واستمرار البذل كل في موقعه، إنه ليس يوما نجتر فيه الماضي، ولكنه يوم نواصل فيه البناء الذي بدأه الأجداد، نحتفل في هذا اليوم بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وهي الجامعة الذي يراد لها أن تكون رائدة في التقنية والتأصيل. كما قال أ.د.الدهاس أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية والمشرف العام على إدارة المتاحف بجامعة أم القرى بهذه المناسبة السعيدة: يطل علينا أول الميزان من كل عام بعبق التاريخ نستقرئ من خلاله سفر هذا الوطن الغالي، عندما خط عبدالعزيز بأنامله على رمال الكويت محددا وجهته مقنعا والده الإمام عبدالرحمن أن الوقت قد حان ليعود كل شيء إلى ما كان عليه فكان استرداد الرياض نقطة تحول في تاريخ هذه البلاد. وأضاف: وقد كان عام 1319ه نقطة الانطلاقة المجيدة التي بدأ بإدارة عجلتها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله، واستمر لأكثر من نصف قرن في تكوين هذه البلاد وتأسيسها وتوحيدها، ليقوم باستكمال دور البناء أبناؤه من بعده الملك سعود و الملك فيصل والملك خالد والملك فهد يرحمهم الله، وتستمر المسيرة المباركة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز ادام الله عزه، إن دولة أسست على التقوى لجديرة بأن يقف الإنسان أمام رمزها ومؤسسها وقفة احترام وتقدير، لأن الملك عبد العزيز لم يكن رجل عاديا في قاموس السياسة ولا في سفر العباقرة الذين أفردت لهم الصفحات الطوال، فهو رجل في أمه بل هو أمة في رجل استطاع بفطرته وعبقريته أن يتحسس آمال أمته والآمها المتناثرة، وآن يستنطق تراب وطنه المشتت، فكون أمه سعودية واحدة على ارض سعودية خالصة، فوحد القلوب قبل أن يوحد الأرض، وأستطاع آن يقيم دولة قوية متماسكة الأركان بمبادئها وقيمها وأهدافها. وقال: اليوم نحن نعيش وحدة وطنية في وطن سخر البر والبحر لمصلحة هذا المواطن والوطن، وربط البلاد شرقها بغربها وشمالها بجنوبها وزالت كل الحواجز الإقليمية، وانصهرت كل المقاطعات في وحدة وطنية صلبة، فأحتضن الحجاز نجداً، ورحبت عسير بحائل، وغنت الإحساء للجميع، وتراقصت شواطئ الخليج وصفقت لهم سواحل البحر الأحمر في تلاحم وتناغم يجمعهم حب الأرض والولاء لهذا الوطن ولرموزه، وأصبحت بذلك لحمة وطنية متماسكة استطاعت بفضل الله الصمود أمام العواصف العاتية، وإذا كان حب الوطن من الإيمان فنحن في هذه البلاد نتمتع بخصوصية قد لا تتوفر لغيرنا، إذ آن وطننا يحتضن الأراضي المقدسة في مكةالمكرمة والمدينة المنورة قبلة المسلمين ومقصدهم في كل عام ،فما أحرانا آن نكون أحرص الناس على هذه الأرض وهذه الوحدة من المتربصين بها حسدا وحقدا، فولائنا لهذه البلاد لاشك أنه جزء من إيماننا وعقيدتنا، وحمايتها والذود عنها من أولويات مواطني هذه البلاد، فالوحدة الوطنية تقتضي الحفاظ على أرض هذا الوطن من الاعتداء الخارجي أو الداخلي، لاسيما من أولئك العابثين والمفسدين في الأرض الذين ليس لهم نهج واضح في هذه الحياة، بل أصبحوا أداة شر ومعول هدم يحرك ويوجه من أعداء هذا الوطن والمتربصين به، والوحدة الوطنية تقتضي الحفاظ على منجزات هذا الوطن وعدم السماح للعابثين بتشويهها أو العبث بها. إلى ذلك ذكر الأستاذ الدكتور عبدالاله باناجه مدير جامعة الطائف بأن الوحدة الوطنية السعودية تمتاز بصلابتها، لكونها فعل ايمان بالانسان والجغرافيا والغايات والاهداف منذ أن تأسست الدولة السعودية الأولى في العام 1157ه، عندما قرر الإمام محمد بن سعود-رحمه الله-مناصرة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله-الهادفة إلى العودة للينابيع الصافية في العقيدة والسلوك، واستمر النهج القويم في العام 1240ه ومن خلاله قامت الدولة السعودية الثانية بقيادة الإمام المؤسس الثاني تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود-رحمه الله-الذي واصل ومن بعده أبنائه نهج أسلافهم حتى أشرق نور اليوم الخامس من شهر شوال من العام 1319ه إيذاناً بعهد جديد، عندما استعاد الموحد الباني الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - رحمه الله - مدينة الرياض معيداً ملك آبائه وأجداده في صورة صادقة من صور البطولة والشجاعة والإقدام، فوضع طيب الله ثراه أولى لبنات هذا البنيان الكبير على أسس قوية هدفها تحكيم شرع الله والعمل بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وواصل الملك الموحد عبد العزيز جهاده لإعلاء كلمة الله ونشر عقيدة التوحيد الصافية والعودة بالأمة في هذه البلاد المباركة على دين الله عودة نصوحةً على نهج قويم يحوطه الحزم وقوة الإرادة، وسار على نهجه جميع أبنائه البررة من ملوك هذه البلاد الطاهرة رحمهم الله جميعا، ولا يزال يكمل المسيرة العظيمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهدة وسمو النائب الثاني أيدهم الله بنصرمن عنده. وذكر الدكتور باناجه بأن سلسلة الإنجازات الكبرى لمملكتنا الحبيبة لازالت تتواصل وتتحقق وستستمر بإذن الله، لأن بلادنا ترتكز على مرتكزات العقيدة الإسلامية السمحة، وما افتتاح خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في هذا اليوم المبارك لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية العالمية إلا خير مثال على النهضة التنموية التي تعيشها البلاد بحمد الله في كافة المجالات السياسية و التعليمية والاقتصادية وغيرها من المجلات الأخرى، فهنيئا لنا بمملكة الإنجازات وهنيئا للوطن بقادته الأبرار.