مسيرة التنمية تتواصل في المملكة رغم تداعيات الأزمة العالمية أتى اليوم الوطني بعد أيام فقط من تصدر المملكة دول العالم العربي والشرق الأوسط كأفضل بيئة استثمارية وفقا لتقرير أداء الأعمال (2010 Doing Business)، الذي صدر عن مؤسسة التمويل الدولية "IFC" التابعة للبنك الدولي، الذي يقيم بيئة الأعمال في 183 دولة ومدى تنافسيتها الاستثمارية، واحتلت المملكة في التقرير المركز الثالث عشر على مستوى العالم. وتمضي مشاريع التنمية السعودية بإعلان تاريخي، تعهدت بموجبه المملكة بإنفاق 400 مليار دولار (1.5 تريليون ريال) حتى عام 2013م لتحديث بنيتها التحتية، كما أطلقت خطة لبناء خمس مدن اقتصادية وصناعية لتوفير فرص عمل جديدة، إضافة إلى مشاريع حكومية كبرى، مثل جامعة الملك عبدالله، وجامعة الأميرة نورة، ومشاريع القطاع الخاص الأخرى في الرياضوجدة. لقد بدأت النقلة الفعلية لتفعيل القطاع الخاص منذ ثلاث سنوات، عندما أعلن عن إطلاق المدن الاقتصادية الكبرى التي تجسد رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز في تفعيل دور القطاع الخاص ومساهمته في تحقيق عدد من الأهداف التنموية للمملكة. وتختلف أهداف هذه المدن التي وطنت في كل من رابغ، والمدينة المنورة، وجازان، وحائل، من مدينة لأخرى، فعلى سبيل المثال أهداف مدينة المعرفة الاقتصادية بالمدينة المنورة، باستقطاب أعداد من العلماء المسلمين العاملين في عدد من المراكز العلمية المرموقة عالميا، تختلف عن أهداف مدينة جازان الاقتصادية، التي بدأت في استقطاب عدد من الصناعات الثقيلة الجديدة على مستوى المملكة والمنطقة، مثل مصنع السيارات ومجمع بناء السفن، وذلك وفقاً لطبيعة كل منطقة ومزاياها النسبية. وتضع حكومة خادم الحرمين الشريفين حين ترسم سياساتها وبرامجها بعين الاعتبار المصلحة العامة، وتلمس احتياجات المواطنين والتصدي لأي مشكلة أو ظاهرة تبرز في المجتمع السعودي، ومن هذا المنطلق تم إنشاء عدد من الهيئات والإدارات الحكومية والجمعيات الأهلية التي تعنى بشؤون المواطنين ومصالحهم، ومنها "الهيئة الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد"، و"الهيئة العامة للإسكان" و"جمعية حماية المستهلك"، كما تم إنشاء وحدة رئيسية في وزارة التجارة والصناعة بمستوى وكالة تعنى بشؤون المستهلك. وسخرت حكومة خادم الحرمين الشريفين ما تحقق من فائض إيرادات الميزانية في السنوات الأخيرة لتخفيض الدين العام، حيث انخفض من 660 مليار ريال عام 1423/ 1424ه، يمثل ما نسبته 82 % من الناتج المحلي الإجمالي، إلى 237 مليار ريال عام 1428/ 1429ه، يمثل نسبة 13.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وتم اعتماد عدد من البرامج والمشاريع التنموية إضافة لما هو وارد في الخطة الخمسية الثامنة في ميزانية الدولة، وشملت هذه البرامج مشروعات المسجد الحرام والمشاعر المقدسة، وتحسين البنية التحتية والرعاية الصحية الأولية، والتعليم العام والعالي والفني، والإسكان الشعبي، ورفع رؤوس أموال بعض صناديق التنمية، كما تم تعزيز احتياطيات الدولة. وتأكيداً لمكانة المملكة وثقلها المؤثر في الاقتصاد العالمي، ولمواقفها المعتدلة وقراراتها الاقتصادية الرشيدة التي تبنتها خلال سنوات التنمية الشاملة، إضافة إلى النمو المتوازن للنظام المصرفي السعودي، شاركت المملكة برئاسة خادم الحرمين الشريفين في قمة مجموعة الدول العشرين الاقتصادية، التي عقدت في العاصمة البريطانية في شهر ربيع الآخر الماضي، وناقشت القمة عدد من المقترحات والإجراءات التي تهدف إلى إنعاش الاقتصاد العالمي وتحسين مسار الاقتصاديات الدولية، وتخفيض حدة الركود والانكماش الاقتصاديين، وتنشيط عمليات الإقراض لتوفير المصادر المالية للأفراد والعائلات والشركات ودعم مسيرة الاستثمار المستقبلي، علاوة على إصلاح الفجوات في المؤسسات الدولية ومناقشة مقترح إنشاء نظام دولي للإنذار المبكر بشان الوضع الاقتصادي والمالي الدولي. وكانت المملكة قد شاركت برئاسة خادم الحرمين الشريفين في قمة مجموعة الدول العشرين الاقتصادية التي عقدت في واشنطن في شهر نوفمبر 2008م لبحث حلول الأزمة المالية العالمية. وأكد الملك عبدالله في مشاركته على أن الخلل في الرقابة على القطاعات المالية أسهم في سرعة انتشار الأزمة المالية، حيث دعا إلى تعزيز الدور الرقابي لصندوق النقد الدولي، كما حذر من مخاطر العولمة غير المنضبطة، وأن الحلول تتطلب تنسيقاً وتعاوناً دولياً، مشيراً إلى العزم على تخصيص مبلغ 400 مليار دولار تصرف لدعم الاقتصاد السعودي خلال السنوات الخمس القادمة كإنفاق استثماري. كما أشار -حفظه الله - إلى استمرار المملكة بالقيام بدورها في العمل على استقرار السوق البترولية، متطلعاً إلى تعاون الدول المستهلكة من خلال عدم استهداف البترول بسياسات تؤثر سلباً عليه، ومؤكداً على مواصلة المملكة لسياساتها بمساعدة الدول النامية، على مبدأ التقاسم العادل للأعباء في أية جهود دولية تبذل لمعالجة الأزمة وتداعياتها. وأطلق خادم الحرمين الشريفين في كلمته الضافية في افتتاح اجتماع جده للطاقة مبادرته "الطاقة من أجل الفقراء"، وهدفها تمكين الدول النامية من مواجهة تكاليف الطاقة المتزايدة، ودعا البنك الدولي إلى تنظيم اجتماع في أقرب وقت ممكن للدول المانحة والمؤسسات المالية والإقليمية والدولية لمناقشة هذه المبادرة وتفعيلها. ويأتي انضمام المملكة إلى قمة العشرين عقب مصادقة المجلس العمومي في منظمة التجارة العالمية في جلسته التي عقدت في التاسع من شهر شوال عام 1426ه بجنيف على وثائق الانضمام، وذلك بحضور الدول الأعضاء وعددها 148 دولة لتصبح المملكة العضو التاسع والأربعين بعد المائة. وحقق الاقتصاد السعودي أداءً قوياً في عام 2008م، على رغم من التأثيرات العالمية المعاكسة، إذ سجل إجمالي الناتج المحلي الحقيقي نمواً نسبته 4.4%، بدعم من التوسع المستمر على نطاق واسع في القطاع غير النفطي إلى جانب زيادة إنتاج النفط، وجاء هذا الأداء القوي بعد تسارع التضخم في النصف الأول من العام الحالي (11.1% على أساس سنوي مقارن)، وتراجعه من جديد في نيسان/أبريل 2009م، حتى بلغ 4.2 % في يوليو الماضي على أساس سنوي مقارن، متأثراً بضعف الطلب وانخفاض أسعار الواردات، وهو أقل معدل منذ يوليو 2007م، ويرجع ذلك بصورة رئيسية إلى تباطؤ وتيرة ارتفاع إيجارات السكن. وبدأت معدلات التضخم تتراجع في أكبر اقتصاد عربي، إذ ساعد انخفاض أسعار السلع الأولية وارتفاع الدولار الأميركي على الحد من تكلفة الواردات بالبلاد التي تربط عملتها بالدولار. وأسهم ارتفاع أسعار النفط في تحقيق فوائض قياسية في المالية العامة وفي الحساب الجاري الخارجي عام 2008م، على رغم موقف السياسة المالية العامة التوسعي وطفرة الواردات، وتم استخدام جزء من فائض المالية العامة في سداد الدين المحلي الذي تراجع بنسبة 5%، ليصل إلى 13.5% من إجمالي الناتج المحلي، كما استمر ارتفاع التدفقات الداخلة من الاستثمار الأجنبي المباشر عند مستوى 23 مليار دولار على رغم ظروف الأزمة العالمية، وزاد صافي الأصول الأجنبية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي - ساما (البنك المركزي) إلى 438.5 مليار دولار، تمثل 93% من إجمالي الناتج المحلي. وتواجه المملكة الأزمة المالية العالمية الحالية بأساسيات اقتصادية أقوى مما كانت عليه في فترات الهبوط الاقتصادي السابقة، إذ عملت الحكومة على تعزيز مركزها الاقتصادي الكلي وتقويه قطاعها المالي وتنفيذ إصلاحات هيكلية لدفع عجلة النمو بقيادة القطاع الخاص، وشددت على أن الجهاز المصرفي استطاع تجاوز الأزمة، ولا يزال محتفظاً بمستويات ربحيه ورأسمالية مرتفعة، مع الحفاظ على نسبة منخفضة من القروض المتعثرة. وتصدت مؤسسة النقد العربي السعودي لتزايد التضخم في النصف الأول من عام 2008م وتداعيات الأزمة العالمية في النصف الثاني، وجاء رد فعلها حاسماً بخفض مستوى الاحتياط الإلزامي وسعر الفائدة على أدوات السياسة النقدية، وتوفير السيولة وتقديم الضمانات على الودائع، وعلى الرغم من تباطؤ الائتمان في الربع الرابع من العام فقد حدث نمو في النقود بمعناها الواسع والائتمان المقدم من القطاع الخاص بنسبة 18% و 27% على الترتيب. وسجلت سوق الأسهم هبوطاً نسبته 46% من عام 2008م، ما أفقدها نصف قيمتها، ولا تزال الآفاق إيجابية بشكل عام، ومن المتوقع أن يزداد نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي (وهو المقياس المناسب للنشاط الاقتصادي الداعم لفرص التوظيف الجديدة في البلدان المصدرة للنفط) بنسبة 3.3% في العام الحالي 2009م، يدعمه موقف السياسة المالية العامة التوسعي، غير أن انخفاض الإنتاج النفطي يمكن أن يحدث انكماشا قدره واحد في المئة تقريباً في إجمالي الناتج المحلي الكلي للمرة الأولى منذ عام 1999م. وتراجع معدل التضخم إلى نحو 4.2% مع تحقيق فائض في المالية العامة والحساب الخارجي - وإن كان بمستويات أقل بكثير من الفوائد السابقة - نتيجة لهبوط الإيرادات النفطية وموقف السياسة المالية العامة التوسعي. كما تواجه المملكة الأزمة العالمية الراهنة من موقع قوة، ما يعكس سجل أدائها القوي في مجال السياسات الاقتصادية الكلية الرشيدة والإصلاحات الهيكلية التي عززت قدرة الاقتصاد على الصمود في مواجهة الصدمات، وعلى رغم أنه من المتوقع حدوث انكماش طفيف في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي خلال عام 2009م تأثراً بانخفاض الطلب على النفط، فلا يزال القطاع غير النفطي يتوسع بقوة، كما يواصل معدل التضخم تراجعه المستمر، وأهم التحديات التي تواجه اقتصاد المملكة على المدى القصير هي الحفاظ على استقرار القطاع المالي وتخفيف حدة تأثير الركود العالمي على السوق المحلية. واتخذت الحكومة عدة تدابير منها: تعزيز السيولة المصرفية وتحقيق الاستقرار في سوق المعاملات بين البنوك، كما بذلت جهوداً لتقوية أطر التنظيم والرقابة المالية، بما في ذلك التدابير التي اتخذت لتحسين نظم إدارة المخاطر في البنوك، وتنفيذ بقية التوصيات التي خلص إلى برنامج تقويم القطاع المالي، وكذلك تقويم إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي ساعدت الجهاز المصرفي. وراهنت المملكة بأن الوضع الاقتصادي للبلاد سيبصر النور في نهاية نفق الأزمة المالية العالمية، وسيخرج منه في نهاية المطاف، مشيرة إلى أن مستويات الثقة تحسّنت بدرجة كبيرة، مع ارتفاع أسعار النفط وعودة الاستقرار النسبي في الأسواق المالية الدولية. ولا تزال الدولة ملتزمة بتنويع اقتصادها في وقت تبدو فيه فرص النمو قوية بوجود برنامج استثمار في القطاعات العامة والنفطية تزيد قيمته على 400 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، وتملك ما يزيد على 20% من الاحتياطي العالمي من النفط وما يزيد على 10% من الاحتياطي العالمي من الغاز، وهي القوة الاقتصادية الكبرى في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، ما سيعزز مكانتها في مرحلة ما بعد تحقيق الاتحاد الاقتصادي الكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي. وتدفع شركة ارامكو السعودية - الذراع الاستثماري لمشاريع النفط والغاز في المملكة - بجزء كبير من إنتاج مجمع خريص البالغ 1.2 مليون برميل يومياً من النفط العربي الخفيف عبر خط أنابيب شدقم- ينبع1- لترتفع بذلك الطاقة الاستيعابية للخط من 425 ألف برميل في اليوم إلى 555 ألف برميل في اليوم، لمواجهة الطلب المتنامي على المنتجات النفطية على الساحل الغربي من المملكة، مع تراجع إنتاج بعض الحقول التي تغذي هذا الخط الحيوي، بينما سيضخ المشروع الجديد نحو 550 ألف متر مكعب من الغاز يومياً إلى شبكة أرامكو لتلبية الطلب المحلي على الغاز. وضاعفت المملكة إنفاقها الرأسمالي على مشاريع التنمية في الربع الأول من العام الحالي، ومنحت عقوداً بقيمة 40.6 مليار ريال لدعم القطاع غير النفطي. وأكدت المملكة تفاؤلها تجاه مستقبل اقتصادها على رغم الأزمة العالمية، وأن كل المؤشرات تدعم هذا التفاؤل، وأنها في إطار سعيها لتخفيف آثار الأزمة تواصل اتخاذ سياسات مالية توسعية، إذ بلغت الزيادة في الاستثمار ضمن موازنة العام الحالي نحو 36% مقارنة بالعام الماضي. واتخذت الحكومة عدداً من الإجراءات لتخفيف آثار الأزمة العالمية على اقتصادها، ومن أهم هذه الإجراءات زيادة الإنفاق الاستثماري في موازنتها بنحو 36 في المائة، والموافقة على عدد كبير من العقود المجازة من وزارة المالية خلال الربع الأول من العام الحالي والبالغ قيمتها أكثر من 40 مليار ريال، مقارنة ب20 مليار في الفترة نفسها من العام الماضي، بزيادة تتجاوز 103%. وبينت أن صافي الإقراض الذي التزمت به الصناديق الحكومية العام الماضي نحو 20 مليار ريال، بمعدل نمو بلغ نحو 110 في المائة مقارنة بعام 2007م. وأوضحت المملكة أن التوسع في الإنفاق الاستثماري، الذي يشمل قطاعات البنية الأساسية والخدمات العامة والتعليم والصحة، يفتح فرصاً استثمارية وتجارية كبيرة للقطاع الخاص في الداخل والخارج. وقد أشار وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف في كلمته في افتتاح مؤتمر "يوروموني - السعودية 2009م"، إلى أن ما يحدث من تقلبات حادة في أسعار النفط، وما يتعرض له الاقتصاد العالمي من ركود، مؤكدا أهمية وسلامة إتباع السياسات الاقتصادية المعاكسة للدورة الاقتصادية، وبيّن أن الانكماش في الاقتصاد العالمي سيختلف من دولة إلى أخرى، متوقعا أن يكون معدل الانكماش في الاقتصاد العالمي 1.3% هذا العام، ومن المنتظر انخفاض معدل الانكماش في الربع الثاني من العام، واستئناف النمو العام المقبل ليكون بمعدل 1.9%. وارتفع عدد قروض المساكن الخاصة التي موّلها صندوق التنمية العقارية في السعودية منذ بدء نشاطه الإقراضي إلى 530.328 قرضاً، بقيمة إجمالية بلغت 141 مليار ريال، نتج عنها بناء 636.394 وحدة سكنية. كما بلغ عدد القروض العقارية التي مولها صندوق التنمية العقارية 52536 قرضاً، بقيمة إجمالية قدرها 14.5 مليار ريال، لتمويل بناء 63080 وحدة سكنية في مختلف مناطق المملكة خلال العامين الماليين 2005-2006 و 2006- 2007.