لعل القارئ الكريم قد ينتقدني نوعاً ما على عنوان مقالي، ولعله يعتقد من قولي هذا أنني غربي التفكير كما سوف يقوله البعض، أو من المعجبين السذج الذين لا يوجد لديهم أي سبب مقنع وواضح لسبب إعجابهم هذا وإنما (مع الخيل يا شقرا) بعاميتنا، ولكن أرجو أن يأذن لي القارئ لبرهة ريثما أبين له ما أرمي إليه ب (متى نكون إنجليز؟!). ولأوضح ما أدندن حوله، أنا لا أقصد عزيزي القارئ بأن علينا أن ننسى عروبتنا، وما في أعراقنا من صفات نفتخر جميعنا بأن ننتمي إليها من كرم وشجاعة ونزاهة ورفعة في القدر مقارنة بالشعوب والأعراق الأخرى، وقبل هذا كله لا أحرض على نسيان أننا ننتمي لدين نتشرف بأن الله سبحانه قد مَنّ علينا جميعاً بالانتماء له، وما يحمله هذا الدين من ضوابط وتشريعات تسمو بأي إنسان عربياً كان أو أعجمياً على وجه هذه الأرض قاطبة. "ولكن".. ليتني أستطيع تحاشي "ولكن" لما سوف تفتحه علينا من أبواب موصدة قد ملأ الغبار رونقها الجميل وبدت كأبواب بيوت الطين. متى نكون إنجليز: ابتداءً ببيوتنا التي يملأها الخدم والحشم وعدم فهم الرخاء إلا بالإسراف في المأكل والمشرب والملبس، وطغيان الكسل والخمول على أفراد عائلاتنا الغالية، والإكثار من النوم ومواعيده المتقلبة وما سببه من انقلاب في حياتنا رأساً على عقب. متى نكون إنجليز: في عملنا وانتظامنا في مواعيده وجعل الساعة هي شيء أساسي في حياتنا لما سوف تقدمه من خدمة في الانضباط، والإخلاص في أدائنا للعمل ومراقبة الله في أدنى تصرف نعمله فيه حتى ولو كان ذلك باستخدام قلم لغرض شخصي أو ما شابه ذلك من تصرفات لن يعلم عنها أحد إلا الله سبحانه. متى نكون إنجليز: خارج بيوتنا، في الطرق من قيادة لمركبة بشكل نظامي وعدم ضرب النظام بعرض الحائط وتعريض حياتنا وقبل ذلك حياة الآخرين لمخاطر لا تحمد عقباها، والتعاون مع الآخرين لانسيابية الحركة المرورية وأيضاً في الأماكن العامة من الاهتمام بنظافتها وعدم تعريض مرافقها لسوء استخدام أو إهمال. متى نكون إنجليز: في تعاملنا مع بعضنا البعض، حيث كثر الحقد والحسد والغيبة والنميمة وحب الذات ووصلنا لدرجة أننا لا نستطيع أن نميز الصديق الصدوق من غيره وأصبح المرء يشك في ظله هل بإمكانه أن يخونه أو لا؟! ما سبب هذه المشكلة؟ وأين يكمن حلها؟ هل سبب ما يحصل من طباع وأساليب وعادات لا تمت لعروبة ولا لدين بل تمت لمجموعة من التصرفات الغريبة اجتمعت على بعضها وأنتجت بؤرة لا اسم لها من أصل أو منشأ، هل سبب ذلك كله هي الرفاهية والنعم والرخاء والأمن الذي منّ الله بها علينا في هذا البلد، أكان هذا هو المفروض علينا من ردة فعل ينبغي أن تكون دافعاً لنا في الإيجاب وفهمنا أنها دافع لنا في السلب، أم أنه صحيح ما قاله الإمام محمد عبده عندما زار أوروبا (وجدت في أوروبا مسلمين بلا إسلام ووجدت في بلدي إسلاماً بلا مسلمين)، أو أنه سيأتي الوقت الذي تنعكس فيه نظرة إمامنا الفاضل ويثبت ذلك العكس، شيء عجيب يحصل تاهت فيه أجوبتنا وكذلك عقولنا. أنا لا أقصد بكلامي هذا الإساءة لأحد،لأننا جميعاً كما قال حبيبنا وسيدنا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بأننا كالجسد الواحد، ويؤلمني كثيراً حينما أرى عضواً من أعضائه قد أصابه علة من مرض يعتقد أن يكون مزمناً ولا يوجد له دواء، بل أتمنى أن نكون قدوة يُقتدى بها أمام جميع شعوب العالم وأن نصل لأعلى قمم النجاح في الأخلاق والطباع والتصرفات. وأيضاً لا أقصد بهذا - لأبين للقارئ الكريم - بأنني شخص منزه وملائكي لا يصدر منه أي من هذه الأخطاء أو غيرها. الجواب: لا، وإنما أتمنى أن نكون عوناً لبعضنا البعض وأن لا نبخل على أنفسنا ومن حولنا من نصيحة أو توجيه لأي فعل غريب قد يصدر من شخص لن يعود إلينا بنفع.