قبل ما يقرب من سنتين كنت عائداً من سفر قريب، وعند باب مسجدنا استوقفني رجل من أهل الحارة، وأقبل ليسلّم عليّ، وحين صار أقرب اكتشفت أنه جارنا الطيب وصديق الوالد أبوخالد. بدا لي أبو خالد شاحباً، منهكاً، لكني حاولت أن أخفي عنه دهشتي لتدهور صحته بهذه السرعة، ورجعت إلى البيت، وانفجرت بالبكاء. كان أبو خالد - الأستاذ محمد الجحلان - صديقاً مقرباً للوالد، وبعد وفاة الوالد كان أحد الحاضرين مساء كل جمعة في مجلسنا، وكنت أراه صباح مساء بحكم تقارب بيتينا، فتعمقت صلتي به، لكن مرضه كان يأخذه منا شيئاً فشيئاً، وكنت أشعر بشيء من الطمأنينة كلما لمحته بعد انقضاء الصلوات في روضة المسجد، وأصابعه النحيلة مشغولة بالتسبيح لخالقه، فأقول لنفسي: لا يزال في عمر صديقي بقية. وفي ظهر اليوم الذي صعدت فيه روح أبي خالد إلى بارئها، كان صوت إمام مسجدنا حزيناً، وكلماته موجعة، وهو يتكلم عن رحيل جارنا الطيب إلى دار البقاء، ويذكر مواظبته على الصلوات، ويبشرنا أن روحه قبضت وقلبه وسبابته يشهدان أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. رحمك الله يا أبا خالد، وأسكنك فسيح جناته، وألهمنا وأسرتك ومحبيك الصبر والسلوان. (إنا لله وإنا إليه راجعون).