ودع الوسط الإعلامي السعودي يوم أمس أحد أبرز رموزه، أحد أبنائه البررة الذين أفنوا زهرة شبابهم في أروقته باحثين عن حقيقة هنا وخبر هناك وسبق صحافي يعلي شأن وسيلتهم الإعلامية ويجعلها في مقدمة الصفوف. يوم أمس فقدنا أستاذاً من ذاك الجيل الذي سطّر اسمه بأحرف ذهبية البريق ماسية المعاني فواحة الرائحة، ذاك الأستاذ محمد بن عبدالرحمن الجحلان الرجل الذي خرّج أجيالاً من الصحافيين السعوديين تتلمذوا على يديه ولم يبخل عليهم لا بوقته ولا بجهده ولا حتى بصحته، أعطاهم كل خبراته دون كلل أو ملل، أو بخل، بل جاد عليهم بها بكل اريحية الأستاذ. في «الرياض» لم نفقد زميلاً بل استاذاً ساهم بكل جد وإخلاص في أن تصل الجريدة إلى ما هي عليه اليوم من ريادة للعمل الصحافي المحلي والعربي، كان - رحمه الله - جاداً في تعامله وقت العمل بسيطاً كل البساطة إنساناً بكل معنى الكلمة ولا نزكي على الله أحداً ولكن هي الحقيقة التي يجب أن تحكى وتقال وبكل فخر، فالفقيد لم يكن مجرد صحافي عادي بل كان لماحاً يعرف الغث من السمين ويقدر العمل الجيد ولا يتوانى عن انتقاد لعمل سيئ حتى وإن كان من أقرب المقربين إليه، فالمهنية كانت لديه خطاً أحمر لا يمس وغير قابل للمجاملة أو المحاباة. كان يشجع صغار الصحافيين ويحثهم على حب المهنة كما أحبها، داعياً إياهم إلى الإخلاص لها كما فعل وإلى بذل أقصى الجهد من أجل الوصول بها إلى ما تستحق من جهد وعرق ودموع مثل التي انسابت يوم أمس على فراق استاذنا الفاضل حزناً على فراقه. فالفقيد كان ذا أياد بيضاء خاصة على زملائه وتلامذته، وسيرته الطيبة بلغت القاصي والداني، فهو علم من أعلام الصحافة والإعلام وخبراته امتدت إلى أكثر من ثلث قرن قضاها في دهاليز العمل الصحافي محرراً رياضياً ثم مشرفاً على القسم الرياضي وممن بعدها تم تعيينه سكرتيراً للتحرير ثم مديراً للتحرير، فنائباً لرئيس التحرير كآخر منصب تولاه في جريدة «الرياض»، اعتزل بعدها العمل الصحافي. وبتلك النبذة المختصرة عن مسيرته المهنية نجد أنه بدأ من الصفر عرف أدوات المهنة واستخدمها الاستخدام الأمثل ووظفها في مكانها الصحيح فكانت له الأستاذية مكانة يستحقها بكل جدارة وبكل اقتدار. رحم الله فقيدنا وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان. (إنا لله وإنا إليه راجعون).