أقل من نصف عقد مرّ على بيعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، وعندما نستعرض القفزات الكبيرة في التعليم، والاقتصاد والصحة والمدن الاقتصادية والصناعية والعديد من المشاريع الأخرى نجد أنها طوت في اعتماداتها وإنجازاتها عشرات السنين ، ولعل إدارة التغيير في الميادين الحيوية والاستراتيجية، وجعْل المواطن هو محور التنمية بتشعباتها المختلفة، ظلا الهدف المتواصل في خطط هذا القائد الكبير بكل ما تعنيه هذه الحقيقة.. وإذا كان الشأن الداخلي يأتي في الأولويات الأساسية فالعملية جاءت تلبية لاحتياجاتٍ لابد أن تندمج مع البرنامج الذي وضعه الملك عبدالله بتسخير الموارد الكبيرة في القنوات الاقتصادية التي شملت كل الأجزاء من المملكة، وتأثيرها سينعكس على الأجيال القادمة التي قد لا تعتمد على المورد الواحد، لأسباب يأتي في أهميتها نضوب النفط أو اكتشاف بديل آخر، يخرجه من قيمته الاقتصادية.. على الجانب العربي، رأينا كيف عمل هذا الزعيم الكبير على تجاوز التناقضات والخلافات العربية، عندما أدرك بحسه القومي، ورؤيته البعيدة أن ديمومة النزاعات ليست الأساس ، وأن المصالحات بين هذه الأسرة الكبيرة، تعد الركيزة في حشد القوى ضد ما هو أخطر، أي إسرائيل ، والتخلف والقصور في الأحوال الاقتصادية والتعليمية والأمنية وأن أي تكامل بين هذه الدول سيكون درع الوقاية لها ، وقد شهدنا كيف كانت وقفته في قمة الكويت عندما تعالى بشخص الزعيم المسؤول على جميع الخلافات وأعلن من جانب واحد موقفه الذي كان بطولياً وغير مسبوق في التاريخ العربي الحديث، والذي ظلت تحكمه تصورات عطلت جميع مشاريع التكامل العربي، وأضعفت الجانب الأمني والسياسي لدرجة أن الحروب بأشكالها المختلفة حولت المنطقة إلى ما يشبه دول الموز في أمريكا الجنوبية.. أما الجانب العالمي، والإسلامي، فقد أكد في مواقفه أن النزاع العربي - الإسرائيلي هو ما فجَّر المنطقة، وخلف عناصر الإرهاب، وأنه لا مساومة على الحقوق أو تجاوزها بسلام ناقص، لأن القضية ذاتها بدأت ظلماً ولن تنتهي استسلاماً، أو حلولاً جزئية، وقد أكد الملك عبدالله وقفته الجريئة في الاعتداء على غزة، عندما كان الداعم بالمال، والميدان المعنوي، وهي صورة غير ملتبسة في مبادئه والمعايير التي يقيس عليها أي بُعد في السياسة.. أما دولياً فقد أعطى النموذج الواقعي، والأخلاقي، فلا تنازل عن الثوابت، في نفس الوقت حافظ على صداقات المملكة مع كل دول العالم المرتبطة بمصالح وقيم مشتركة، ولعل دعوته لحوار الأديان والحضارات والتي حشد لها قائمة طويلة من الشراكة بين المقدسات، والعلاقات بين الشعوب بدون تمييز أو قهر للإنسان، واتساع الإسلام لصيانة الحقوق واحترام الأديان، وفرت غطاءً كبيراً لتلك اللقاءات، مما جعل احترام المملكة بشخص الملك عبدالله، يأخذ بعده الأكبر إسلامياً وعربياً ودولياً، وحتى في الأزمة التي عصفت بالعالم مادياً، جاء موقفه متوازناً وثابتاً . وبدون مبالغة، فإن الملك عبدالله رجل عصره دون منازع..