يكتبها ويصورها:في إحدى مقالاته حول موضوع علاقة مرض القولون ببعض الأطعمة والمشروبات, استشهد الدكتور سلمان بن محمد بن سعيد في زاويته (سوانح طبيب) في صفحة طب التي تنشرها صحيفة الرياض كل يوم أحد.. أستشهد بأبيات للشاعر العلم محمد القاضي في القهوة: زله على وضحا بها خمسة ارناق هيل ومسمار بالاسباب مسحوق مع زعفران والشمطري الى انساق والعنبر الغالي على الطاق مطبوق وكتب الدكتور ابن سعيد: وخمسة الأرناق- الأشكال أو الألوان - هي الهيل والمسمار والشمطري- الذي قال عنه إنه لا يعرفه- إضافة إلى العنبر الغالي مع حبوب البن المحموسة, هي التي كانت تشرح الخاطر وتعدل الكيف في الماضي وتثير القولون العصبي هذه الأيام). بالمناسبة ابن سعيد يقدم في زاويته مقالات متنوعة الموضوعات بقالب طريف وأحياناً ساخر هادف غير ممل, ولا تخلو من معلومات طبية وصحية غاية في الأهمية. على أي حال, سأتناول كلمة الشمطري التي فهمنا من بيت القاضي أنها نوع من (بهار القهوة). لكن ما الفرق بين الشمطري في بيت القاضي وبين الشمطري في أبيات للشاعر الكبير سليمان بن شريم في الغزل, إذ قال: يا مدمج الساق حالي منك مبري بري النجاجير عيدان صليبه أبو قرون تغذى بالشمطري مثل السفايف على كور النجيبه أبو عيون ليا دلت تخزري ترمي بالأسباب ويل اللي تصيبه ففي البيت الثاني, الشمطري شيء له علاقة بالشعر أو القرون (الجدائل) التي شبهها بسفايف ناقة أصيلة, والسفايف جمع سفيفة, وهي أطراف مصنوعة من الصوف وملونة تربط بالرحل (الكور, الشداد) أو طرف الخِرج وتترك متدلية تتأرجح على جانبي الناقة للزينة. تأسيساً لما سيأتي, أقول إن هناك مصطلحات شعبية لها معانٍ مختلفة باختلاف مناطق المملكة, فالشّمَطْري كلمة عامية ليس لها أصل فصيح, مع أن التأمل في طرق استعمال بعض الأنواع التي تسمى الشمطري ربما دلّ على أن للكلمة علاقة بالفعل (شمط) الذي يعني الخلط بين الشيئين. وهي؛ أي كلمة الشمطري, عند بعض سكان غرب المملكة تطلق على نوع من النعناع المعروف بالحبق أو نعناع الجبل الذي أثير حوله مؤخرا لغط حيث نُقل– عن متخصص في السموم والأعشاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث - أنه يحتوي على مادة مسرطنة, قبل أن يحسم الأمر المستشفى نفسه في بيان رسمي نشر الأسبوع الماضي ينفي فيه وجود أي أبحاث علمية منشورة في مجلات علمية محكمة تبين وجود علاقة بين (الحبق) ومرض السرطان. والمعنى المقصود, أي النعناع, ليس هو الشمطري الذي جاء في بيتي القاضي وابن شريم. وتطلق كلمة الشمطري على النوع الفاخر من الزَّبَاد. والزباد نوع من العطور الطبيعية كان يستخدم قديماً في الجزيرة العربية, ويُجلب من بعض البلاد الآسيوية حيث يستخرج من أحد أنواع القطط البرية التي تعيش فيها مثلما يُستخرج المسك من أحد أنواع الغزلان, وكان لا يتطيب بالزباد قديماً إلا المترفات من النساء اللائي يضعنه خلف الأذنين وعلى الرقبة, ويُخلط هذا النوع مع الزعفران لاستخدامه كطيب ولون للزينة في آن واحد, وأظن أن ذلك هو الذي كان يضاف قليل منه إلى القهوة لإكسابها الرائحة الطيبة والمذاق المرغوب. فهذا هو شمطري القاضي إن جاز التعبير. ويعرف الشمطري في عدة مناطق من نجد أنه عشب برّيّ يسمى أيضا الروض, نسبة إلى كثرة نموه في الروضات, وهو المعروف في الفصحى والعامية بالنّفل. على أنه يوجد – بحسب ما ورد في كتاب الغطاء النباتي في المملكة الصادر عن وزارة الزراعة- ستة أنواع من الأعشاب البرية القصيرة المتشابهة التي تتميز بأوراقها الثلاثية وأزهارها الصفراء الجميلة, وكل الأنواع تسمى النفل, وأكثرها انتشاراً نوعان, أحدهما ينمو متمدداً على سطح الأرض ويسميه أصحاب الماشية (الذّرق) لأن الأغنام التي تكثر من أكله يصيبها الإسهال, وقد يؤدي إلى نفوق الحملان أو (البهم) أي الأغنام الصغيرة, ويسمونه أيضا (الحسيكة) لأن بذوره تكون داخل أشواك مكورة بحجم حبة القهوة تنفصل غالباً عن العشب في أواخر فصل الربيع وتنتشر في المرعى فتعلق بأصواف الأغنام وقد يؤدي ذلك إلى تردي حالتها, لكن هذا النوع ليس هو الشمطري, فالأخير عشب يشبه الأول إلى حد كبير غير أنه ينمو قائماً أي غير متمدد على سطح الأرض, وليس فيه شوك, ويُميز من بين الأعشاب البريّة الحولية برائحته الزكية إن لم يكن أطيبها رائحة على الإطلاق, ومن استخداماته قديماً بين النساء قطفه وفركه على الرأس أو خلطه مع الحناء وفقا لطريقة خاصة كي يكسب الشعر رائحة طيبة. وعلى ذلك فهذا هو الشمطري في بيت ابن شريم. بقيت الإشارة إلى أن هناك زيت يعبئ في (قوارير) يباع حالياً في محلات العطارة وبعض الصيدليات وله اسم تجاري هو (زيت الشمطري), ويزعم منتجوه في الملصقات الدعائية أنه يطيل الشعر ويحافظ على جماله ويمنع تساقطه ويزيل القشرة في آن واحد, وأعتقد أنه ينبغي استشارة طبيب متخصص قبل استعماله خصوصاً أنه لا يوضّح على المنتج أصل مكوناته, كما أن رائحته غير جيدة.