يواصل الدفاع المدني عبر «الرياض» حملته التوعوية كل يوم سبت واثنين.. وننشر اليوم وتحت عنوان «أمومة حتى الموت» حكاية لحادث حريق.. جاءت فصولها كالتالي: بدأ الوقت يتسارع في تلك الشقة المنكوبة، فلم يبقَ إلا القليل على ذهاب الأولاد إلى المدرسة فلابد من حث الخطى من الأم التي قامت على عجل تتزاحم الأعمال في فكرها، بأيهما تبدأ فالأولاد يحتاجون إلى التأكد من تكامل الكتب بالحقيبة ولابد من المرور السريع على ما تم استذكاره يوم أمس، والبنت وهي وإن كانت أكبر منهم سناً إلا أنها لم تعتمد على نفسها اعتماداً كاملاً، فتنسيق ملابسها وملاطفتها وتشجيعها وإعطاؤها المصروف أمر يومي له مكان في قلب تلك الأم الحنون.. كل ذلك في جانب والاهتمام بالزوج وإفطاره وتهيئة ملابسه في جانب آخر. ما أعظمها من أم مثالية لا مكان للكسل في حياتها فهي تقوم بكل ذلك وغيره من أعباء المنزل بنشاط وحيوية، بل وبسعادة غامرة تزداد يوماً بعد يوم فكل ما تجده من تعب لا يساوي دقيقة واحدة تضم فيها أحد أبنائها في حضنها وتشعر أن الدنيا بأسرها تحت قدميها. انطلقت هذه الأم متجهة إلى المطبخ يحذوها ذلك الأمل المشرق في أبنائها، ولم يخطر ببالها ما ينتظرها وينتظرهم. يقول الضابط الذي باشر الحادث: إن هذه الشقة تقع في مجمع سكني صغير يغذى بالغاز المركزي وكان الغاز قد توقف عن هذه الشقة في اليوم الذي قبل الحادث، ولما اكتشفت الأم ذلك اتصلت بالأب ليحضر معه اسطوانة غاز صغيرة لاستخدامها حتى يعود الغاز المركزي، وفعلا أحضر الأب ما طلب منه وقام بفصل اللي الموصل من مغذي الغاز الداخل من المركزي للموقد ووصله بهذه الاسطوانة الصغيرة ولم يتنبه إلى إغلاق ذلك المغذي المركزي لعدم وجود الغاز أصلا، كان ذلك قرب العصر، استمر استخدام العائلة للاسطوانة إلى الليل. وعند الساعة الثانية عشرة ليلاً وبعد أن نامت العائلة تمت إعادة خدمة الغاز المركزي إلى ذلك المجمع وبدأ تسرب الغاز من المصدر المغذي لهذه الشقة ينتشر داخلها، إنه أمر ينذر بوقوع كارثة مدمرة، إن تسرب الغاز داخل المنزل خطير حتى ولو كان من اسطوانة صغيرة فكيف والتسرب من الغاز المركزي المخصص للمجمع السكني كاملاً، وفي وقت يظن أنه لا أحد يستفيد من خدمة الغاز، بمعنى أن هذا التسرب قد يكون هو المتنفس الوحيد لذلك الخزان الضخم. وتمضي ساعات الليل ويستمر الغاز المتسرب بالازدياد وكل دقيقة تمر تبعد تلك العائلة من الدنيا وتنسج أكفانها، ولما كان قرب الفجر وصلت نسبة الغاز داخل الشقة إلى أعلى درجات التركيز وأصبحت كل غرفة فيها وكأنها قنبلة موقوتة تنتظر أي شرر لتنفجر. كل ذلك حدث ولم يخطر ببال تلك الأم شيئاً منه فكل شيء كانت تفكر فيه وتتوقعه إلا أن هذه الخطوات إلى المطبخ ستكون آخر خطوات لها في ذلك العش الآمن الذي يضم فلذات أكبادها وأحلى ذكرياتهم وذكرياتها. يقول الضابط الذي سمع آخر كلمات الأم وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة في المستشفى وهي تصارع الموت لقد قالت: إنني خرجت من عند زوجي مسرعة إلى المطبخ وبيده سيجارة لم تشتعل وباليد الأخرى ولاعة، وكنت أشم رائحة الغاز وعند وصولي للمطبخ سمعت صوت انفجار قوي هز أركان المنزل ودفعني بقوة للخارج وقد تحول كل شيء من حولي إلى نار أمر لا يكاد يصدق إني أرى بيتي بلا جدران والأبواب قد خلعت من أماكنها وزجاج النوافذ قد غطى أرضية البيت والنار علقت بظهري لم يشغلني ذلك الهول العظيم عن ابنتي التي داخل غرفتها في أقصى البيت فاقتحمت النيران ودخلت والنار تشتعل في ملابسي ورأسي من كل جانب وقدمي حافيتان وهما تنزفان وقد جرحهما الزجاج المتهشم على الأرض. أقبلت على غرفة ابنتي وكأني أعيش كابوسا مروعا هل يصدق أحد أن هذا هو بيتنا قبل دقائق وجدت ابنتي في أحد أركان غرفتها مغطاة بأخشاب الباب الذي انخلع من مكانه وجدران غرفتها قد تساقطت حملتها بسرعة إلى الخارج ولم أعد أشعر بشيء ولكني رأيت الأب يأخذ البنت ويطرحني على الأرض ليطفئ ما بقى من ملابسي وشعري. يقول الضابط: أعرف أن حنان الأم ليس له مثيل ولكن موقف هذه الأم أذهلني حيث أنها أخذت تصارع زوجها عند خروجها بابنتها محاولة الدخول إلى الجحيم الملتهب في تلك الشقة لتبحث عن ولديها وهي تشتعل وقدماها تنزفان ولكن حال بينها وبين ذلك وطرحها على الأرض. وأوهمها أن الطفلين قد أخرجا وهما على قيد الحياة، معلناً بذلك خروج أول نفسين من هذه الأسرة المنكوبة. أما الأب والأم وابنتهما فقد نقلا إلى المستشفى لتبدأ معركتهما الحاسمة مع الموت حيث انهزمت أمامهم أولاً تلك الأم الحنون بعد كلماتها التي قطعت أنياط القلوب، ثم تبعها الأب وبقيت هذه الطفلة وحيدة تتجرع الم اليتم وألم الاحتراق وكأن لسان حالها ينادي: إن تبقى تفجع بالأحبة كلهم وفناء نفسك لا أبا لك أملج أيها الأحبة.. وبعد أن استشعرنا هذا الحادث فإن الإهمال أو العبث باسطوانات الغاز ينتج عنه الكثير من المخاطر التي قد تؤذي أفراد الأسرة والمجاورين لهم لا قدر الله، ولإجراء الوقاية من حوادث الغاز ننصح بإتباع الآتي: ٭ اختيار المكان المناسب والآمن للاسطوانة ويفضل أن يكون بعيداً عن مواقع الطبخ وجيد التهوية. ٭ التأكد من التمديدات وسلامتها وعدم تعرضها للحرارة والعوامل الجوية التي تتسبب في إتلافها واستبدال التالف منها فوراً. ٭ فحص المواقد والأفران والتأكد من نظافتها وعدم انسداد منافذ الغاز. ٭ عند تشغيل المواقد أو الفرن يشعل أولا عود الثقاب ومن ثم يفتح الموقد. ٭ من الأسلم تركيب جهاز كاشف لتسرب الغاز. ٭ إغلاق مفاتيح مواقد الغاز، وكذلك مصدر الغاز عند النوم وعند مغادرة المكان وهذه النقطة الأخيرة ضرورية وهامة للغاية. ٭ إذا تم اكتشاف تسرب غاز فإنه يجب إقفال مصدر تسرب الغاز، وفتح النوافذ، وتجنب إدارة مفتاح إضاءة الكهرباء أو قفله، أو تشغيل مراوح الشفط، أو استخدام أعواد الثقاب. ٭ إذا كان التسرب في شبكة الغاز العمومية يتم استدعاء شركة الغاز لمعالجته بالشكل الصحيح. ٭ عند حدوث حريق في الموقع فعليك إغلاق مصدر الغاز ونقله بعيداً عن مكان الحريق. أيها الأحبة.. نستعرض دراسة دولية لإدارة الحريق في الولاياتالمتحدةالأمريكية تشير إلى سرعة تطور الحوادث ونتائجها المتوقعة على الأرواح والممتلكات حيث تتم رؤية اللهب من خارج المنزل خلال 4.33 دقائق فقط ويصبح إنقاذ الأشخاص الموجودين أمراً في غاية الصعوبة.. وهذا ما نحب إيضاحه في أهمية سرعة الإخلاء للحفاظ على الأرواح وكذلك مدى انتشار النار والأدخنة خلال وقت وجيز جداً ويتضح ذلك بالجدول. في الختام جعل الله السلامة طريقاً لنا جميعاً. وإلى اللقاء في المقال القادم (ومن الحب ما قتل).. للتواصل: ([email protected])