منهمكاً في طوي الشيك تلو الآخر .. لم أرد أن يخطئ في كتابة أحدها .. ولأجل ذلك .. لذت بالصمت .. حتى انتهى .. كانت العلامة التي تأكدت من فراغه من الأمر الذي يشغل باله .. ذلك الرجوع البطيء بالكرسي إلى الخلف .. وتلك التنهيدة .. علامة التعب .. والألم المالي ..! ( أبو عبدالعزيز .. ما الذي يدعوك إلى كتابة كل هذه الشيكات .. لا تقل لي أنها سعي ..! ) .. ما أكد .. لي ظنوني .. تلك الابتسامة الصفراء التي استقرت على شفتيه : ( هل تعرف بأن أحدها لذلك الرجل الذي كل ما فعله .. تلك اليد التي أشار بها إلى الأرض التي أكتب شيكات سعيها الآن .. واسمح لي أن أحدّثك عن شيء من سخرية الأنفس والحياة ) . ( وحيث اعترف المدعى عليه بدلالة المدعي للأرض محل السعي المتنازع عليه بإشارته .. وحيث قرر العلماء بأن العرف قد يكون قولاً أو فعلاً .. وبأنه يتحقق بما تعارف عليه الناس وتواطؤوا على كونه من الدلالة الثابتة شرعاً .. فقد حكمت على المدعى عليه بأن يدفع للمدعي نصيبه من سعي الأرض المباعة على ( .. ) بالصك رقم .. وتاريخ .. الصادر من كتابة عدل .. الأولى .. ومقدارها .. وبذلك حكمت ) .. لم تكن تلك سوى .. ديباجة الحكم في قضية يدٍ .. لم تفعل .. سوى أن أشارت إليّ نحو الأرض - والمشتري المستقبلي برفقتي - في لحظة غفلة مني .. مع أني لا أعلم ساعياً فيها سواي ..! الوسيط أو السمسار كما عرّفه الفقهاء بأنه : ( الذي يقوم بالدلالة على سلعة مقابل عوض تعارف عليه الناس .. أو اتفق على ماهيته أحد طرفي العقد ) .. في حين وضحّه شرّاح القانون : ( وكيل يبيع ويشتري للأصيل لقاء عمولة ) وقد ورد ذكر السمسار في السنة النبوية في أكثر من موضع حيث فسّره العلماء بأنه القائم على بيع سلعة الغير بمقابل .. مشيرين إلى أن اللفظ يشمل من يبيع سلعة الغير بعمولة .. أومن يسهّل عقد الصفقة بين طرفيها . التكييف الفقهي لهذه الصورة – كما يقول الفقيه د. العمراني - يمكن تفصيله بأن ما يسمى الوساطة قد تكون مقدّرة بالزمن فتكون إجارة .. أو جعالة حسب صيغة العقد أو دلالة العرف والقرائن .. وقد تكون مقدّرة بانتهاء العمل فتكون وكالة بأجر إذا اقترنت بالنيابة أو إجارة على العمل .. ذلك أن تفصيلات أحكام الوساطة لا تندرج تحت عقد واحد من عقود المعاملات .. بل إن عقد الوساطة قد يجمع عدة عقود في عقد واحد .. ولا يقصر هذا العقد بجميع جزئياته وتفصيلاته على باب واحد من أبواب المعاملات فلا تقتصر على الدلالة وإنما تجمع معها عقوداً أخرى تختلف باختلاف طبيعة المنشأة وأهدافها . إن عمليات الوساطة تشكّل نسبة جيدة من القضايا العقارية المعروضة أمام المحاكم .. وتتنوع الأسباب المؤدية لرفع مثل هذا النوع من القضايا إلى : اتفاق البائع على أن يقوم بدفع السعي وفق ما يطلق عليه في العرف العقاري ب ( الكدر ) ثم رجوع البائع عن ذلك إلى عرف السوق بعد إتمام البيعة . الغش والتدليس في توزيع السعي بين السماسرة خصوصاً إن امتدت سلسلتهم بين البائع والمشتري. مطالبة السعاة الأقل جهداً في البيعة بالمساواة مع أصحاب الجهد الأعظم في تذليل عوائق البيع بين الطرفين مما لا يتناسب مع واقع العمل والجهد المبذول. ومرد ذلك كله قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما .. وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ) .. فإن لم ينفع الرادع الديني .. ففي الرادع القضائي .. من الكفاية .. ما ردع صاحبي .. أعلاه ..! * الباحث في أنظمة العقار