ليس كمثل أمريكا فى ضخامة التعويضات التى تدفع بدعوى "القدح" و "الذم" و "الضرر النفسي" .. ففى كل عام ترفع أكثر من 12 مليون قضية مدنية تكلف 360 بليون دولار .. واليوم أصبح من الطبيعي رفع دعاوى ضد تجاوزات كانت حتى وقت قريب تعد تافهة ولا يعبأ لها (كتلميح جنسي أو كلمة عنصرية أو تهكم جسدي أو حتى عضة كلب) .. بل يمكن القول إن قضايا التعويض تحولت اليوم إلى صناعة ضخمة يقف خلفها محامون ووكلاء وصحف صفراء ومحطات إخبارية وبرامج متخصصة .. وحسب علمي مايزال الدكتور جون وايلد من ولاية منسوتا صاحب الرصيد الأعلى فى ربح قضية "قدح وذم" بمبلغ 10,8 ملايين دولار (كسبها عام 1972) .. أما آخر قضية جمعت بين تفاهة السبب وضخامة المبلغ فهي 2,9 مليون دولار كسبتها السيدة ستيلا ليبيك ضد مطاعم Y.G لأن (الجرسونه القذرة) سكبت القهوة فى حجرها .. أما فى ولاية ميتشغان فتعرضت ويتنى بيك إلى "معاناة نفسية" نتيجة خطأ فى تحليل دمها أظهر إصابتها بالإيدز ولما اتضح سلامتها كسبت تعويضا بمبلغ 1,7 مليون دولار جراء ابتعادها عن أطفالها وابتعاد زوجها عنها .. أما في واشنطن فهناك مكتب محاماة (يرفع شعار : نحول معاناتك إلى دولارات) اقنع بولا جونز برفع قضية تحرش جنسي ضد الرئيس كلينتون فهي إن لم تكسب القضية ستكسب ثروة جراء بيع مذكراتها وشرح ملابسات .. الحادث .. لوسائل الإعلام !! أما أبرز قضايا المشاهير فانتهت وديا بين النجمة المخضرمة اليزابيث تايلور وزوجها الثامن لاري فورتنسكي الذى وافق على استلام 26 مليون دولار مقابل عدم الإدلاء بأي تصريحات أو معلومات عن الفترة التى قضاها مع الممثلة المشهورة .. وخوف اليزابيث تايلور من ثرثرة زوجها عامل البناء يقودنا للحديث عن ظاهرة التكسب من نشر أسرار وفضائح النجوم .. ففي الولاياتالمتحده يكفي أن تكون لك علاقة بنجم سينمائي أو رياضي أو حتى سياسي حتى تكسب ثروة .. ويعود السر إلى تهافت وسائل الإعلام على شراء (حقوق الفضيحة) لمجاراة تعلق عامة الناس بحياة المشاهير ومعرفة أسرارهم . وإن "ضربنا" هذه الحقيقة بعدد السكان الهائل ندرك ضخامة الأرباح المتحصلة من تسويق أي معلومة (مقروءة أو مسموعة) مهما كانت تفاهتها وضحالة جوهرها .. فهناك مثلاً أوجي سمبسون (النجم الرياضي المتهم بقتل زوجته) الذي سارع كل من يعرفه إلى تأليف كتاب حوله دفع الناشرون حقه مقدماً بسبب الهوس الشعبي بالقضية .. حتى سمبسون نفسه أثرى من فضيحته بفضل الأحاديث واللقاءات التى دفعت ثمنها وسائل الإعلام (حيث دفعت له محطة إن بى سي أربعة ملايين دولار نظير لقاء متلفز ، واتفقت معه محطة فوكس على تأليف كتاب بعنوان "لو كنت أنا الفاعل" !! ... بقي في النهاية أن أشير إلى نقطة مهمة وحساسة تهمنا نحن .. فهناك فرق كبير بين (نبش الفضائح) وبين رفع قضايا (الإضرار والإساءة) .. فالأولى دليل على جشع وتحرر المجتمع المنتشرة فيه ؛ أما الثانية فحق مشروع يضمن حق المواطنين ويلفت انتباه المسؤولين لمواطن الإهمال والخطأ .. وبدون اعتماد سياسة التعويض (والاكتفاء بالمجاملات وتقبيل الخشوم) نساهم في وأد الأخطاء، وتكرار التجاوزات، وتثبت الواقع السلبي ، في حين يسلم المخطئ من العقاب ويموت المواطن من الغيظ والكمد.