الهدوء يتملك المخرج الشاب محمد الظاهري ، وذكاء بحس اجتماعي . مهموم بالكثير من قضايا المجتمع . تعنيه مسألة الطفولة والشباب. تعنيه مسائل التطرف والتحولات في المجتمع. رغم كل الإمكانيات حقق فيلمه الأول روائياً قصيراً ، وما تحقق له ليس المشاركة في مهرجان الخليج السينمائي – دبي ، بل فوزه في هذه الدورة . هذا الحوار معه حول فيلمه ومشاريعه المستقبلية. *سبق فيلمك " شروق / غروب " إنجازك فيلم فأخبرنا عنه؟ - هو في الواقع مشروع لم يكتمل، تم تصويره، ثم لظروف إنتاجية وبسبب مشاكل تقنية لم يتم إتمامه بشكل كامل. الفيلم وبصورة عامة حاولت أن أقوم بتجربة تقوم على حكاية فيلم دون أن يظهر في الفلم أي أجزاء علوية من الجسد. فلا وجود لتعابير الوجه ولا إيماءات الرأس. فهو محاولة لاختبار التوافقات الجسدية. * ما الذي دفعك إلى إخراج الأفلام ؟ - الفيلم هو احد إبداعات العقل البشري في حقل التواصل الإنساني الذي سعى دائما الى البحث عن وسائل جديدة وطرائق حديثه في بعث الرسائل البشرية وإيجاد لغات أخرى غير تقليدية تفتح له مجالات أوسع في فهم المطالب التي لا يمكن التعبير عنها من خلال اللغة المنطوقة أو الإيماء المرموز. وقد وجدت ان الفيلم بلغته الساحرة ربما كان وسطاً أستطيع أن أخوض تجربته وان احكي لغته وان اعبث بأبجدياته واحكي حكاية لها مضمون حتى وان كانت بذاتها عبثية. سبق محاولتي الأولى في إخراج الأفلام، قراءة تخصصية للسينما، كما قمت بمشاهدة العديد من الأفلام السينمائية وبشكل انتقائي ولمدة قاربت الخمسة عشر عاماً. كما هو حضوري لعدد من المهرجانات العالمية والإقليمية. هذا كله ساهم دون شك في دفعي إلى تجربة الإخراج السينمائي، وكانت في شكل مشروع لم يكتمل قبل أربع سنوات، ثم في هذا المشروع الذي اكتمل وعرض في مهرجان الخليج ونال جائزة في أول عرض عام له. * ما المكونات التعليمية والثقافية المتوفرة لك ؟ - أن تكون عربيا وتعيش في منطقة عربية فهو سبب كافٍ لأن تكون المصادر التعليمية المتوافرة لك قاصرة بشكل كبير جدا. لكن التقنية الحديثة استطاعت ان تكسر بشكل كبير المحتويات النظرية التي تستطيع ان تحصل عليها بشكل أسهل من ذي قبل. لكن المشكلة تبقى في المكونات التقنية التي تستطيع ان تصنع بها فيلمك، فهي لا تزال محدودة جدا، وضعيفة للغاية. * ماذا أفادتك تجربة الكتابة والنقد السينمائي ؟ - لاشك أن النقد السينمائي يدفع بك دائما إلى النظر إلى العمل الإبداعي بنظره مختلفة، وتدفع بك دائما الى ان تكون مشاهداتك انتقائية واختباريه بصورة عامة. وهي تفترض منك أيضا أن تكون على إطلاع جيد الى اكثر من تيار سينمائي تاريخيا وجغرافيا. هذا كله سيساهم في صياغة صورة مثالية في عقلية الناقد، ربما لن يستطيع تحقيقها ابدا، لكنها على الأقل ستساهم في تفاديه لأكثر الأخطاء شيوعا من وجهة نظره الشخصية. *حدثنا عن فيلمك " شروق / غروب" . الفكرة وكتابة النص وإعداد المجموعة؟ -"شروق/غروب" هي فكرة راودتني منذ اكثر من سنتين، وكتبت لها معالجة سينمائية في حينها، إلا انه ولضعف الإمكانات وقلة الكوادر، فإنه تم تأجيل المشروع عدة مرات، إلى ان تم تشكيل مجموعة"تلاشي" قبل عام، شرعت حينها بكتابة النص، وبتكاتف زملائي في المجموعة استطعنا اكمال العمل، على الرغم من الصعوبات الكبيرة التي واجهتنا في صناعته، أهمها عدم التفرغ لأي طاقم من طواقم العمل، مما أدى إلى تأجيل في تنفيذ تصوير بعض المشاهد لفترة تصل إلى شهرين. الفيلم صُور بميزانية متواضعة جدا، قد لا تكفى في بعض الأعمال الأكثر احترافية لأجرة الكومبارس. الفيلم يمزج بين عدة قضايا في حالة واحدة، ويحاول أن يتناولها بشيء من الصراحة، لكنها كلها تصب في قضية حقوقية كبرى، حق الطفل في مجتمع لا يريد أن يعترف بها مطلقا. *هل من تيار سينمائي تجد نفسك تميل إليه في أسلوبك السينمائي؟ - من حيث الطرح فإني أميل كثيرا إلى موجة أفلام الاندرجراوند الأمريكية، التي كونت في الستينات من القرن الماضي موجة نقد لاذعة لكل تقاليد المجتمع الأمريكي والغربي بشكل عام، وان تقوم بكسر كل التابوهات الاجتماعية التي تقف عائقا في النقد الاجتماعي وربما أيضا في العمل الإبداعي بحد ذاته. ومن حيث الشكل فإني اميل كثيرا الى التيارات السينمائية الأوربية التي نشأت في الستينات والسبعينات الميلادية ولا يزال أثرها باقيا في التيارات التي نشأت لاحقا. حيث تبدو صورتها السينمائية أكثر هدوءاً، وإعطاء اللقطة الواحدة وقتها، وتضمينها بحد ذاتها مفهوما مستقلا إلى حد كبير ولا تميل نظريا إلى مدرسة المونتاج التي تتبناها ربما السينما الأمريكية بشكل أكثر وضوحا. لكن السينما بصورة عامة تعيد تشكيل نفسها من وقت لآخر، وما أميل إليه حاليا قد أجد لاحقا صيغة أكثر قبولا أميل إليها، وهذا لا يحدث مع هواة السينما وحسب، بل وحتى مع كبار صناع السينما وروادها حول العالم. *ما الذي دفعك لأن تكون من مجموعة أفلام تلاشي ؟ وإلامَ تطمح المجموعة؟ -ربما لست الشخص المؤهل للحديث عن المجموعة وأهدافها، لكن بصورة عامة، فالمجموعة تهدف إلى تبني طرح فني جديد سواء من حيث المبنى أو المضمون، في الشكل والصورة والفكرة، وهي ترى في الشأن المحلي شأنا يهمها قبل أي شيء آخر، وبالتالي فإن محاولة نقاشها وإعادة طرحها بشكل صريح، ربما يكون له أثره في المستقبل لكي يتم الحديث عن بعض المشكلات التي يجد المجتمع حساسية ما في طرحها. كما يقال "اليد الواحدة لا تصفق". وإذا وجد مجموعة من الشباب الذين تتوافق أفكارهم ويحملون ذات الهم، فإني كغيري سأكون سعيدا بأن انضم إليهم ونتكاتف جميعا، ونسعى لأن يكمل بعضنا الآخر، ولكني ينتج لنا أيضا أعمالا متكاملة قدر الإمكان. * ما الهدف من إقامة عرض استباقي في مدينة الرياض لفيلمك ( مع مجموعة من زملائك المخرجين )؟ -الرياض هي بلدي، ومسقط رأسي، وإن كنت أود أن احظي بشرف عرض أولى، فسيكون شرفا لي أن يكون هنا في الرياض حيث تقع أحداث الفيلم، وحيث يناقش الفيلم مشكلاته. ان يحظى الفيلم بردود فعل ايجابيه من جمهوره المحلي هي احد أكثر طموحات المخرج، فهو في النهاية لم يصنع الفيلم لكي يعرض للجمهور في الخارج وفقط. بل هو فيلم للجمهور المحلي بالدرجة الأولى. ولن أكون سعيدا ان يعرض عمل لي خارج السعودية قبل عرضه داخلها، حتى وان كان بعرض خاص ومحدود كالذي حصل مع "شروق/غروب" وبقية أفلام مجموعة "تلاشي"، وهو رأي اعتقد أن بقية زملائي من المخرجين في المجموعة يشاركونني فيه. * ماذا ينتظر المخرج من جمهور العرض ؟ وماذا تتوقع أن ينتظر الجمهور نفسه من الفيلم ؟ - باقتضاب، فإن المخرج كل ما يتمناه هو أن يصل مضمون عمله الفني إلى الجمهور وبطريقه فنية أيضا. فإن لم تصل الفكرة أو لم يستوعبها الجمهور من حبكة الفيلم الفنية فهناك دون شك خطأ ما في الصلة بين المخرج والجمهور. لكن هذه وبشكل عام تبقى نسبية من حيث التطبيق، فما يستوعبه جمهور ما قد لا يستوعبه جمهور آخر، ولا يوجد برأيي فيلم عالمي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. بالنسبة ل"شروق/غروب" فهو عمل يناقش قضية حساسة، وقد سعيت إلى أن أقوم بخلط أكثر من فكرة في حالة واحدة، وإن كنت لا أتوقع أن تثير حساسية الموضوع أو التناول الجمهور خارج السعودية، لكني لا أتوقع أن يتقبلها الجمهور المحلي بأريحية تامة، هذا توقع، وأتمنى ان يخيب ظني في هذا الأمر وان يرى المشاهد المحلي العمل برؤية اخرى متجردة من كل تراكمات أخلاقية وثقافية أخرى، على أن النقد سيكون مرحبا به دائما، فهو الموجه الأول والأخير للمخرج، سواء اكان النقد ايجابيا أو سلبيا. * ألم تفكر في اختيار أفكار وقصص أعمالك من أعمال سردية ( قصص قصيرة أو روايات) سواء سعودية أو عربية ؟ - كرأي شخصي، فلست ممن يميل كثيرا الى الاستعارة من الأعمال الفنية الأخرى واستلهامها في اعمال سينمائية، سواء اكان ذلك من الأدب أو المسرح أو حتى من الوقائع الحقيقية. فالسينما من الأفضل ان تكون ابداعية بكل جوانبها التأليفية والإنتاجية. وهنا ستكمن أصالة السينما. ولا شك ان سينما المؤلف خرجت للتأكيد على هذا التوجه المفترض للسينما. وعلى الرغم من وجود العديد من الأعمال الأدبية القصيرة والطويلة على المستوى المحلي إلا انني لا اعتقد انني حاليا سأتوجه لهذا النوع من الصناعة السينمائية. * كيف رأيت المشاركة في مهرجان الخليج السينمائي في دبي ( ذكر أن هناك 27 فيلماً سعودياً ) ؟ وما تعليقك على عدد الأفلام؟ -المشاركة السعودية هذا العام يبدو انها اكثر تميزا من السنوات القادمة سواء من حيث العدد أو المستوى الفني الذي يبدوا انه في تطور مستمر، وهذا ما يعطي اشارة جيدة لمستقبل هذه الحركة الشابة. ربما يوجد في زحمة هذا العدد الكبير عدد من الأفلام الضعيفة من حيث الأداء والمضمون، لكن في النهاية سيكون له اثره الإيجابي لاحقا. فالاحتفاء في الأعمال الجيدة سيدفع بالاخرين لإعادة تقييم اعمالهم وتصحيح اخطائهم. بالنسبة لفيلم "شروق/غروب" فكل ما اتمناه هو ان يحقق اصداء جيدة بغض النظر عن بعض الأخطاء أو المشاكل التقنية التي صاحبت الفيلم ولكن فاجأتني الجائزة حقاً. * ما المشاريع المقبلة ؟ حصلت على بعثة دراسية لإكمال الدراسات العليا في الخارج. وربما سيكون للسينما نصيب من هذه الدراسة، سواء على مستوى الدراسة النظرية أو التطبيقية. على أية حال، هناك مشروع فلم قصير لا يزال في طور صياغة الفكرة الأساسية والمعالجة السينمائية، وسأبدأ كتابة السيناريو لها خلال الفترة القادمة، ليتم تصويره نهاية هذا العام.