لم تكن المرة الأولى التي يمتحن فيها الشعب المصري. وتوضع مواطنته، وانتماؤه، وارتباطه بالجغرافيا والتاريخ والإرث الحضاري مكان اختبار. فقد علم الشعب المصري شعوب العالم العربي دروساً في معنى الانتماء الوطني، والوقوف أمام الاستهدافات، والمؤامرات، والمزايدات بتحصينه القوي بنية المجتمع، وحمايته للدولة كراعية للأمن، والاستقرار، والعيش للأجيال حتى لو اختلف معها في بعض التوجهات الحياتية، أو الاقتصادية، أو السياسية. اخطأ حسن نصر الله في رهاناته الخاسرة على شعب مصر. وهذا الخطأ جاء لأنه لم يقرأ تاريخ الشعب المصري، ولا درس سيكيولوجية الإنسان المصري. فكانت الحماقة الكبرى لأنه حسب أن «العجوزة» تشبه «الضاحية الجنوبية» وأن «العتبة» تقارب «برج البراجنة» و«الأوزاعي» وأن «حي السيدة» و«الحسين» يتماهيان مع «الشياح» و«حي السلم». هكذا كان تصوره، وهو تصور ساذج، أو مغرور، أو خروج عن العقل. التاريخ يقول لنا إن الشعب المصري غير مستعد لتقبل العنف مهما كانت مبرراته، ووسائله، ومنابعه، والأفكار التي يأتي بها. ولهذا كان الاشمئزاز، ومن ثم التصدي لكل الهجمات كتلك التي حدثت في الأقصر عام 1997. ومحاولات الاغتيال وتفجير المقاهي، وأماكن الترفيه كتلك التي جرت ضد الجنرال الألفي. وقبل ذلك كله ما حدث في خريف العام 1988 حين اشتبكت الشرطة مع جماعات مسلحة في الأحياء الفقيرة من هيليوبوليس في القاهرة.. وما جرى من محاولات لاغتيال وزير الداخلية آنذاك زكي بدر، واغتيال رئيس البرلمان رفعت المحجوب في العام 1990. وبفضل التفاف الشعب المصري مع الدولة نجح النظام في تحصين مصر، وتسييجها ضد الأعمال الإرهابية، ومواجهة التحدي الذي يستهدف الاقتصاد. والحياة، والأمن، والمكتسبات، وعيش الإنسان، ونشرت الحكومة «ثلثمائة ألف عنصر من أكفاء الشرطة الخاصة اختيروا من الطبقة الدنيا والمتوسطة في مصر ليكونوا قادرين على مواجهة الإرهاب» لكن ذلك كله كان بالتفاف الشعب المصري حول قيادته. وتهميش كل الاختلافات معها في بعض التفاصيل. لتبقى مصر الأرض، والتاريخ، والحضارة، والوعي، والتنوير، والانتاج. كان على حسن نصر الله إذا كان سيقدم دعماً لوجستياً - حسب تعبيره - إلى «حماس» أن يفكر في تقديم هذا الدعم عبر مزارع شبعا المحتلة في جنوب لبنان، أو مرتفعات كفرشوبا في الجنوب، وإذا أراد أن يذهب خارج جغرافية لبنان حيث دويلته أن يفكر في مرتفعات الجولان المحتلة منذ عام 1967. أليس هذا أقرب، وأنجح للعمل اللوجستي..؟!