«ويبدو من مجمل التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي ، أنه أراد أن يقول لكل العالم الإسلامي دولاً وشعوباً ، إن الولاياتالمتحدةالأمريكية ، ليس لديها عداء أيدلوجي تجاه الإسلام كدين والمسلمين كأتباع لهذا الدين .. وإن عداء الولاياتالمتحدةالأمريكية يتجه إلى الجماعات الإرهابية التي تهدد الأمن الإقليمي والاستقرار الدولي .» } في الزيارة الأولى التي قام بها الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما ، إلى العالم الإسلامي عبر البوابة التركية ، طرح العديد من القضايا والعناوين ، التي تتعلق بطبيعة العلاقة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والعالم الإسلامي .. وتمكن الرئيس الأمريكي في هذه الزيارة ، من تحديد ما تريد أمريكا من العالم الإسلامي ، وبيان الخطوط الاستراتيجية التي ستسير عليها الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال السنوات القادمة .. ويبدو من مجمل التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي ، أنه أراد أن يقول لكل العالم الإسلامي دولاً وشعوباً ، إن الولاياتالمتحدةالأمريكية ، ليس لديها عداء أيدلوجي تجاه الإسلام كدين والمسلمين كأتباع لهذا الدين .. وإن عداء الولاياتالمتحدةالأمريكية يتجه إلى الجماعات الإرهابية التي تهدد الأمن الإقليمي والاستقرار الدولي .. إذ قال الرئيس الأمريكي أمام البرلمان التركي [ إن الولاياتالمتحدة ليست في حالة حرب مع الإسلام ، بل إن شراكتنا مع العالم الإسلامي مهمة في واقع الأمر ، في القضاء على أيدلوجية يرفضها الناس من جميع الأديان ] ويضيف [ ولكنني أريد أيضا أن أكون واضحا ، إن علاقة أمريكا مع العالم الإسلامي لا يمكن أن تكون ولن تكون مستندة إلى معاداة القاعدة ، بل بعيدة عن ذلك . نحن نسعى لتفاعل واسع النطاق مستند إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل ، وسنزيل سوء التفاهم ، وسنسعى إلى بناء أرضية مشتركة ] .. ومن خلال هذا الجهد الذي يبذله الرئيس ( أوباما ) فهو يعمل وبالذات في المجال الإسلامي ، إلى تغيير وجه أمريكا وتحسين صورتها . وذلك بعد سنوات من حكم الرئيس جورج دبليو بوش ، هي الأسوأ في سجل العلاقات بين أمريكا والعالم الإسلامي .. فالحرب على الإرهاب التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق ، بدت في بعض صورها ومحطاتها ، وكأنها حرب موجهة ضد كل العرب والمسلمين . لذلك دخلت العلاقة في مرحلة يمكن تسميتها غياب الثقة الأيدلوجية والسياسية المتبادلة .. وتورطت السياسات الأمريكية خلال الحقبة السابقة ، بالقيام بمجموعة من الخيارات والخطوات ، التي اعتبرت عربيا وإسلاميا ، بوصفها خطوات عدائية من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد دول وشعوب العالم الإسلامي .. وبعيدا عن لغة التفاؤل أو التشاؤم ، فإننا نعتقد ، أن أمام الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول العالم الإسلامي ، الكثير من العمل لتجاوز تراكمات وأخطاء المرحلة السابقة .. فالولاياتالمتحدةالأمريكية بحاجة إلى موازنة علاقتها الاستراتيجية بين الكيان الصهيوني ودول العالم الإسلامي .. فالقضية الفلسطينية بكل عناوينها وقضاياها المتعددة ، تشكل حجر الزاوية في علاقة الولاياتالمتحدةالأمريكية والعالم الإسلامي والعكس .. فالإصرار الأمريكي على الدعم اللا محدود إلى الكيان الصهيوني وسياساته العدوانية ، هي التي تحول دون بناء علاقة طبيعية بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وشعوب العالم الإسلامي .. فالمصالحة الحقيقية بين أمريكا والعالم الإسلامي ، تقتضي من أمريكا بوصفها القوة الأعظم في العالم وصاحبة النفوذ السياسي والاقتصادي في كل قارات العالم ، إلى مقاربة جديدة وجريئة إلى القضية الفلسطينية التي هي قطب الرحى في منطقة الشرق الأوسط .. وبإمكاننا أن نختزل أهم الأفكار التي ينادي بها الرئيس أوباما ، وعبر عنها في أكثر من مناسبة في ضرورة بناء الجسور بين الإسلام والغرب ،عبر التفاهم المتبادل ، كطريق أساسي للاستفادة المتبادلة بين الطرفين . وترمي هذه الأفكار والتصورات ، إلى تأسيس خطاب وموقف حواري مع الإسلام وعالمه .وهذا لا يعني ابتداء تبني أطروحات الإسلام ومفاهيمه ، وإنما يعني أن الظروف الذاتية والموضوعية ، تتطلب وبشكل ملح ، بناء الجسور للتعارف والتفاهم بين أمريكا والعالم الإسلامي . وطريق بناء الجسور ، هو المعرفة ، وطريق المعرفة الأفضل ، الحوار العميق ، لنفهم الغرب وأمريكا عن قرب ، ويفهمنا هو كذلك . وإننا كعرب ومسلمين، لا يمكننا أن نستفيد استفادة حقيقية من مكتسبات الحضارة الحديثة، من موقع الدونية والتبعية والجهل بمسار تطورها التاريخي. إن المدخل السليم للاستفادة من مكتسبات الغرب الحضارية، هو معرفته، وإدراك ووعي مساره التطوري، والتفاعل الايجابي مع قضايا الحضارة والتقدم الإنساني. وينبغي القول في هذا المجال، إن الخطيئة الحضارية الكبرى، التي وقع فيها الغرب، انه قام بعملية الربط والالتقاء بين تقدمه وتطوره التقني والمادي وتقدمه في مجال القيم والأخلاق والسلوك. لذلك فهو يصدر تكنولوجيته مع قيمه, وتطوره التقني مع أخلاقه، ونمط معيشته. واعتبر أن الالتحاق بركب الحضارة المعاصرة، لا يتم إلا عن طريق الغربنة في السلوك والأخلاق ، أولا، وفي الاقتصاد والسياسة ثانيا. ولعلنا نرى في الأفكار التي ينادي بها الرئيس الأمريكي أوباما تدشينا أو استمرارا لمنهج غربي، يرى أن طريق تعميم التجربة الغربية لا يتأتى إلا بالمعرفة والحوار بين العالمين الغربي والإسلامي. إذ أن موقف المعرفة والحوار، يؤدي إلى هضم معطيات الآخر الحضاري. بينما الوعي السطحي بالغرب، يجعل الفكر العربي والإسلامي، يعيش دوما مرحلة الانفعال والدهشة بمنجزات الغرب وتقنيته المتقدمة. كما انه يمنع عناصر الإبداع والتجدد في فكرنا الذاتي بفعل حالة الأسر والانبهار الفكري والنفسي. وإننا كعرب ومسلمين من الطبيعي، أن نرفض بعض أجزاء وأسس وتجليات الحضارة الحديثة، لأننا في بعض حقب تاريخنا الطويل ضحايا لهذه الأسس والتجليات، فإننا نرفض مبدأ الاستعمار بكل تبريراته ونظرياته، كما إننا نرفض تغليب القيم المادية، على قيم الإنسان والعدالة والحرية والمساواة. ولكن كل هذا لا يعني ممارسة القطيعة بكل أشكالها مع مسيرة الحضارة الحديثة . وإنما من الضروري مواصلة مسيرة التواصل والتفاعل النقدي، حتى تكتمل عناصر الحضارة، بما يخدم الإنسانية وتطلعاتها العليا. وإننا نرى في هذا الإطار ضرورة التأكيد على النقاط التالية: ضرورة تأسيس خطاب حضاري حواري، منبثق من قيمنا وأصالتنا والتجربة الإنسانية. وان هذا الخطاب الحواري بين العالمين الغربي والإسلامي، هو الذي يزيد من مجالات التفاعل والتواصل ومجالاته. وإننا ندعو إلى خطاب يؤسس منهجاً عادلاً للمثاقفة والتفاعل بين الأطراف الحضارية في المجتمع البشري كله، من دون إحساس أحد الأطراف بالوهن والتبعية والذيلية. وإنما يكون حواراً علمياً ثقافياً حضارياً، بعيداً عن ضغوطات السياسة ومصالح السياسيين. المشاركة الحضارية: حين نقرأ مسيرة التطور التاريخي للحضارة المعاصرة, نكتشف أن هذه الحضارة بمكوناتها المتعددة، هي من صنع البشرية جمعاء، بحيث أن عملية التراكم على مستوى الحضارات, هو الذي أوصل الإنسانية إلى هذا المستوى العلمي والحضاري المعاصر. فالحضارة الحديثة، ليست من صنع الغرب وحده، بل هي من صنع جميع الأمم والحضارات، أوليست الحضارة تواصلا إنسانيا من جيل لآخر؟ لذلك فليس من المعقول والحكمة أن تقاطع أمة من الأمم هذه الحضارة,وتمتنع من الاستفادة من إنجازاتها ومكاسبها. فالشراكة الحضارية تقتضي اتخاذ موقف المعرفة والحوار والتفاهم المتبادل لا القطيعة والذوبان. ولهذا نجد سيرة المسلمين ومواقفهم تجاه الحضارات المعاصرة لهم, كان موقف التفاهم والتبادل والإضافة والتقويم، لا موقف الدونية والتبعية والانبهار. فهمزة الوصل المقترحة بين الطرفين، هو الحوار والتفاهم المتبادل. لأننا نرفض منطق النفي والإلغاء، ولا يمكننا أن نتبناه. وموقف القطيعة التامة والجهل المتبادل ،هو الوجه الآخر لمنطق النفي والإلغاء ، لذلك نحن نرفضه ونتجاوزه . ولقد كانت قوة الإسلام في الماضي، نابعة من قدرته الفائقة, على أن يتأقلم مع الظروف المتغيرة، وأن يتماشى مع التاريخ وينفتح بالمرونة المطلوبة على كل أنواع التبادل والتواصل الإنساني الفكري والروحي. لهذا السبب الإسلام دين الفتح الروحي والجغرافي والتاريخي. وبفعل هذه العناصر التي تشكل خريطة متكاملة، يتم استحثاث الجهود الداخلية لعوامل النمو الذاتية في الجسد العربي والإسلامي، يكون في محصلتها النهائية حركة دائمة وسيرورة متجهة نجو التطور لتجاوز الحال إلى المؤمل، والواقع إلى الطموح. فالإسلام في حركته نحو بناء الحضارة، لا يدمر الإنجازات الإنسانية السابقة ولا المكاسب الحضارية التي تراكمت عبر الأجيال، وإنما يستفيد منها ويهذبها بما ينسجم وروح الإسلام وقيمه الكبرى. ولا بد أن ندرك في هذا الإطار، أن المعرفة شرط الفهم والتقويم الدقيق. فإننا كما نرفض من الآخرين تركيب صور خارجية وإلصاقها بالعرب والمسلمين, كذلك نحن لا يمكننا أن نقوم بذات العمل, وإنما ينبغي لنا معرفة الآخرين ( أفكار، تصورات، سياسات، إستراتيجيات، قوى ومؤسسات .... إلخ) حتى يتسنى لنا الحكم الدقيق على مسيرة الآخرين وثقافتهم وحضارتهم. ولقد كانت قوة الإسلام في الماضي نابعة من قدرته الاستثنائية على أن يتأقلم مع الظروف المتغيرة وأن يتماشى مع التاريخ وينفتح بالمرونة المطلوبة على كل أنواع التبادل والتواصل الإنساني الفكري والروحي. أي رفض الانغلاق وجهل الآخرين والانكفاء على الذات.. وبهذا نؤسس منطقاً ينسجم وضرورة توفير أسباب التفاهم المتبادل والمعرفة العميقة بين العالمين الغربي والإسلامي. لذلك فإن حجر الزاوية، في مشروع التفاهم المتبادل والمعرفة العميقة بين الإسلام والغرب، هو وجود حركة اجتماعية شاملة متجهة بشكل نوعي إلى التطور والتقدم، ويكون مشروع التفاهم في هذا الإطار هو الحاجة الداخلية والضرورة الإنسانية. لهذا فإن التفاهم المتبادل، هو الموازنة الفذة بين الضرورة والحاجة. ولقد تمكن الرئيس أوباما من تحديد رؤية أمريكا لمنطقتنا وعالمنا ، فعلينا نحن أيضا أن نحدد رؤيتنا لذاتنا ولموقعنا في الخريطة الدولية ، وإلى طبيعة الخيارات الاستراتيجية التي ينبغي أن تتحكم في علاقة العالم الإسلامي والغرب وبالخصوص الولاياتالمتحدةالأمريكية . فالكرة في مرمانا ، وعلى النخب العربية والإسلامية اليوم مسؤولية نسج وبلورة الرؤية الحضارية والسياسية المعاصرة تجاه حاجات وضرورات أمريكا في المنطقة .. فمهمتنا ليست تكيفاً مع حاجات وضرورات أمريكا في المنطقة ، وإنما في تحديد حاجاتنا الملحة وأولوياتنا المباشرة ، حتى نعمل لبناء استراتيجية عمل تلبي هذه الحاجات ، وتوفر متطلبات هذه الأولويات ، دون الانغلاق والانكفاء عن القوى المؤثرة في المنطقة والعالم .