إنتاج وتصدير الإرهاب قضية معقدة يعجز فلاسفة الأخلاق ورجال العلوم الدينية واختصاصيو الاجتماع والمصلحون، فك شفرة الرغبات التي تقود انتحارياً في الإقدام على قتل مصلين بمسجد، بينما قام كل العالم الإسلامي مهدداً ومستنكراً الجريمة الكبرى التي ارتكبتها اسرائيل بحق مصلين بالحرم الابراهيمي، وبالليالي الأخيرة من رمضان المبارك، وأي شيء يجنيه القتلة عندما يستهدفون مدرسة أو حافلة أو سوقاً مكتظاً بالباعة والمشترين، أو سياحاً جاؤوا ليطلعوا على الآثار ومآثر التاريخ، وينقلون الصور الايجابية عنا، وعن حضارتنا؟. هل الجناة بهذه الافعال يريدون إثبات قوتهم ليرهبهم الناس والحكومات وكل من يوضع على لائحة الأعداء، وكيف أن فتاة غُسل دماغها ثم تُعطى حقناً لتقوم بدور القاتل، والمدمر، وهي تحت سطوة ذلك المخدر؟ ثم ألا يكون تسفيهاً بالعقل ان يقبل أي مسلم أو غير مسلم، وهو ينظر للجنائز تخرج من دور العبادة، أو مدارس الاطفال أو الناس الآمنين بمدينتهم، أن يفاجأوا وتحت طائلة حجة الجهاد، قبول هذا التصرف؟. في تاريخ الإسلام المديد والطويل لم نشهد الصور المتلاحقة لتشويهه ومن قلب المؤمنين برسالته وعدالته، ولو كان الأمر مؤامرة حاكها الأعداء وصدقنا هذا الرأي، ألا يمكن كشف الجوانب الخفية لمن يفكر ويدعم، ويفتي بانتهاك هذا السلوك واهدار دماء الآخرين، وإدانته وكشف صورته وكل ما يرمز إليه؟. فالعالم لا يحترمك عندما تكون وجهاً مغايراً للطبيعة البشرية، بل يتنافس معك ويقدر قيمتك عندما تصل الى الاكتفاء الذاتي في غذائك وصناعاتك ومنجزك الوطني والقومي، أي عندما تصل الى درجة الاسهام بالمعارف والمبتكرات ويصل نضجك الى حدود تأكيد وجودك من خلال المعطى المستمر، لا الجريمة المنظمة والتي لها وسائل مكافحتها وملاحقتها، كما هو حادث الآن وما نشهده في مداخل ومخارج مدن العالم بوضع العربي والمسلم على لائحة الاشتباه والتفتيش على حقائبه وكل ما يحمل، والتجسس عليه في خطواته واتصالاته. المدن والبلدان التي عاشت لحظات الرعب، لا يمكنها أن تعلن استسلامها لفئات خارجة عن النواميس والعقل والانتماء الاخلاقي والديني، ولعل المشاهد في أفغانستان وباكستان، والعراق والهند ومعظم الدول العربية وغيرها التي أصبحت حالة مرضية أكسبت غيرنا إدانتنا بالشاهد الفعلي، وكانت القضية التي شوهت موروثنا وقيمنا، واعتبار رد الفعل الاسرائيلي بتدمير غزة جزءاً من أرضية سمحت للإعلام الاجنبي قلب الحقائق، وبناء على ما يجري داخلنا من أبناء شعبنا، ولذلك جاء الاستنكار من بعض المنصفين بجرائم اسرائيل صغيراً، لأن الأحكام المسبقة تقول إننا لا نحترم الإنسان ولذلك أهدرنا دمه، أو قتلناه وهي شبهة تلاحقنا كل يوم وليلة.