عندما تأسست دولة اسرائيل في العام 1952 تم عرض منصب رئيس الدولة على العالم الالماني اليهودي انشتاين ، صاحب نظرية النسبية الخاصة والحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1921، لكنه رفض قائلا ( أنا رجل علم ولست رجل سياسة ). حقق أنشتاين شهرة واسعة في مجال الفيزياء حين خالف كليا استنتاجات استاذه إسحاق نيوتن، فقد أثبت أن موجات الضوء تستطيع أن تنتشر في الخلاء دون الحاجة لوجود وسط أو مجال، على خلاف الموجات الأخرى المعروفه التي تحتاج الى وسط تنتشر فيه كالهواء أو الماء، وأن سرعة الضوء سرعة ثابتة وليست نسبية مع حركة المراقب (الملاحظ). عندما اعتلى هتلر السلطة عام 1933.. زادت حدة العداء بين هتلر وانشتاين، حيث اتهمه النازيون بتأسيس (الفيزياء اليهودية)، واستطاع بعض العلماء الألمان الناقمين على أنشتاين أن يوغروا صدر هتلر ضده، مما اضطره للهرب الى الولاياتالمتحدةالأمريكية التي منحته اقامة دائمة .. وفي عام 1939 كتب رسالته الشهيرة الى الرئيس الأمريكي روزفلت ينبهه فيها الى ضرورة الاسراع في إنتاج القنبلة قبل الألمان، وفي العام 1940 نال انشتاين الجنسية الأمريكية مع احتفاظه بجنسيته السويسرية.. لكنه في نهاية حياته واجه اتهامات من قبل المخابرات الأمريكية بالميول للشيوعية لأنه قدم انتقادات لاذعة للنظام الرأسمالي الذي لم يكن يروق له، وفي عام 1952 كتب انشتاين في رسالة الى الملكة البلجيكية الأم شاكيا ( لقد أصبحت نوعا من المشاغب في وطني الجديد بسبب عدم قدرتي على الصمت والصبر على كل ما يحدث هنا ). وبالرغم من أن أنشتاين كان عالما بارعا في مجاله ، واضحا في مخترعاته ، إلا انه كان مراوغا كبيرا في السياسة ، متقلب الآراء ، متعدد الأهواء .. ففي بداية تأسيس الصهيونية اليهودية كانت آراؤه تدل على تأييده لها .. لكنه في فترات لاحقه خالفها ، وأعلن أنه كان دائما ضد فكرة الدولة اليهودية. كان أنشتاين قلقا حيال قضايا العرب ومشاكلهم على أثر التوسعات اليهودية في فلسطين ، وفي رسالة بعث بها إلى وايزمان أول رئيس اسرائيلي عام 1920، حذر أينشتاين من تجاهل المشكلة العربية، ونصح الصهاينة بأن يتجنبوا الاعتماد بدرجة كبيرة على الإنجليز ، وأن يسعوا إلى التعاون مع العرب وإلى عَقْد مواثيق شرف معهم. وقد نبه أينشتاين إلى الخطر الكامن في الهجرة الصهيونية. ولم تتضاءل جهود أينشتاين أو اهتمامه بالعرب على مر السنين. ففي خطاب بتاريخ أبريل سنة 1948، أيَّد هو والحاخام ليو بايك موقف الحاخام يهودا ماجنيس الذي كان يروج فكرة إقامة دولة مشتركة (عربية يهودية)، مضيفاً أنه كان يتحدث باسم المبادئ التي هي أهم إسهام قدَّمه الشعب اليهودي إلى البشرية. قد يتسائل القارئ ..عن سر إدراجي لنموذج انشتاين في هذا المقال.. لقد أردت أن اضرب نموذجا على تقلب الآراء والأفكار لدى الشخصيات العامة .. وكيف نجدهم أحيانا يتخذون مواقف بالعلن عكس ما تضمر نفوسهم .. ان سيرة انشتاين مليئة بالقصص والحكايات .. وتعمدت أن ألجأ الى موسوعة الويكيبيديا للحصول على المضمون من المعلومات .. ووجدت أن قناعتي الدائمة بأن الإنسان قد يكون ناجحا ومميزا في موقعه ولكن لا يعني أن يكون مميزا ومبدعا في مواقع أخرى .. فالسياسي مثلا اذا كان ناجحا في السياسة لا يعني ان يفتي بآرائه وأفكاره في مجالات اخرى .. والتي قد تكون خاطئة كليا وبلا أي منطق .. وكذلك الأمر على العلماء والاقتصاديين وغيرهم .. الحياة تخصصات .. والناجح من عمل وفق تخصصه .. ودمتم سالمين.