ليس من الإنصاف الأخلاقي والأدبي أن تظل نظرتنا إلى المجتمع، والإنسان، ومضامين الحياة على كل الصعد نظرة عوراء بعين واحدة فيكون ترسيخ وتكريس السلبيات الحياتية، وتخلف الإنسان والمجتمع، والاتكالية، والعجز، والهروب من صياغة الواقع حالة مستمرة وصحيحة وصحية، ويكون التشاؤم، والنظرة الدونية هما منطلق أحكامنا ورؤيتنا، وبهذا يكون اليأس من استشراف مستقبلات جيدة واعية وواعدة للإنسان، والناس، والحياة هو ما يحكم وينمط أفكارنا بحيث لا يكون للنظرة العقلانية العلمية وجود في دراساتنا، ورؤانا، وحواراتنا، ونقاشاتنا. نخسر كثيراً إذا ما تلبستنا هذه الحالة، وتحولنا إلى ندابين، شاكين، مشككين، هلعين، خائفين من إمكانية تغيير مسارات الوعي والفهم عند المجتمع، يائسين من إصلاح أي خلل فكري، أو اجتماعي، أو مسلكي، باعتبار أن التغيير أمر مستحيل في مجتمع راكد، رافض لا يتحرك، ولا يريد أن يتقبل. ونخسر - أيضاً - إذا لم تكن لدينا القدرة الحقيقية والفعلية لقراءة الماضي قراءة واقعية ونقدية، ونقاربه مع الحاضر، وتكون لدينا الشجاعة في المكاشفة، والمصارحة والاعتراف بأن تغييراً قد حصل، وأن فهماً جديداً واعياً وإنْ بدرجة لا تحقق طموحاتنا قد غيّر العقل، والتفكير، والرؤية وأن الهدف الذي نرسم خطى الوصول إليه، وندرسه، ونسعى إليه قد قطعنا فيه مسافات تدل عليها شواهد كثيرة إنْ في حياتنا، وأساليب عيشنا، وتحسس مسؤولياتنا، وإنْ في مؤسساتنا التربوية، والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية حتى ولو لم يكن الإنجاز مقبولاً بالقدر الذي نريد، ونطمح، وإنْ في دينامية الحركة الاجتماعية، والقرار السياسي، والتفاعل مع التحولات، والمستجدات في العالم. صحيح أن الاتجاه إلى الماضي، ومحاولة إدراك المستقبل عن طريق تشريح، وتفكيك الماضي هو الوسيلة إلى صنع وصياغة الحاضر لكن لا ينبغي أن نقوم بعملية إسقاط دائمة ومستمرة؛ فنظل محبوسين في سلبيات الماضي، وتخلفه، وتعثراته بقدر ما يكون لنا هذا الماضي حافزاً للتفاؤل، والإنصاف ، والمقارنة ومن ثم التماهي مع إنجازات الحاضر، والاعتزاز بعقول جيل أصبح فاعلاً، ومتفاعلاً مع التغيير، والتحول، وقبول ما كان في العرف الاجتماعي خطيئة، أو منقصة. مثلاً، مثلاً. ليس من العدل، وليس من المنهجية الفكرية والثقافية والمعرفية أن نرفض، أو نستبعد، أو نلعن بعض الأعمال الروائية التي صدرت حديثاً لأنها غير لائقة، أو تكشف عن المستور وتعرّيه، فهذه تؤرخ لحقبةة زمنية مررنا بها، ويجب تسجيلها بكل سلبياتها ، ولو أنني أعترف بأن بعض التناولات كانت صادمة جداً ، لكن وفي كل الأحوال لا نستطيع تجاوز هذه المرحلة إذا ما أردنا أن نعتز ونتباهى بالحاضر، وتتكون لدينا الرؤية من أجل صناعة المستقبل. أحسب أنه لو لم يكن هناك عمل روائي مثل «شرق المتوسط» للمبدع عبدالرحمن منيف قد سجل حالات قهر الإنسان وعذاباته وتمزيق إنسانيته وكرامته في بعض الأنظمة العربية لما استطاع الإنسان داخل هذه الأنظمة أن يتعرف على واقع ومأساة مصادرة حرياته. ونحن هنا نسجل في رواياتنا، وأعمالنا الأدبية بعض المسلكيات، وأنماط الحياة التي كانت لنصحح، ونستشرف. يجب أن نكون متوازنين، منصفين، لا إفراط، ولا تفريط.