أسبوع من كل عام ينخفض فيه منسوب التباكي. يصل إلى أدنى مستوياته.عدد الشباب في معرض الكتاب يكاد يكون استثنائيا.لا احتاج إلى إحصائيات. حسب تقديري الشخصي بلغ عدد زوار معرض الكتاب الأخير أكثر من نصف مليون إنسان. عدد السيدات يكاد يعادل عدد الرجال. من كل الملل والنحل. من كل المناطق. من كل المشارب . الكتب المتوفرة في المعرض ترضى كافة الأذواق والمطالب الثقافية. تستثني أقل عدد من التوجهات. مع نهاية المعرض سيختفي هذا ليحل محله البكائيات وجلد الذات.شعبنا لا يقرأ. الإنجليز يقرؤون الأمريكان يقرؤون اليابانيون يقرؤون . الاسطوانة المكررة. شعارات تحولت إلى مسلّمات. لم يربط أحد بين الإقبال على المعارض بهذه الأعداد الكبيرة وبين القراءة نفسها. أين تذهب آلاف الكتب التي تخرج يوميا من المعرض في أكياس بلاستيكية تنوء بحمولاتها ظهور الإبل؟ منذ كنت طالبا في المتوسطة وأنا اسمع البيت الشعري المأثور(وخير جليس في الأنام كتاب). في كل مناسبة تتطلب تعميما للجهل نردد: وخير جليس في الأنام كتاب. تلاحظ دائما ارتباطا بين الاستشهاد بهذا البيت وبين تجهيل الناس. من يستخدم هذا البيت في قوله ينتهي قائلا مع الأسف شبابنا ضائعون بين البلي ستيشن والكورة والمغازل. ما يحدث في معرض الكتاب كل عام ينفي ذلك. دور نشر كاملة لبنانية وسورية ومصرية وحتى مغربية تخصصت بالسوق الثقافي السعودي. تحقق أرباحا هائلة. الطلب على الكتاب بين شرائح المجتمع السعودي يؤكد دوما أن قضية التباكي مجرد تمويه. أين تكمن المشكلة؟ أي كتاب هذا الذي نبكي عليه؟. هناك شيء غير طبيعي يحدث. قراءة بسيطة لهذه الحالة ستقودنا إلى أحد أمرين.إما أن القارئ السعودي لا يفهم ما يقرأ، أو أن هناك من يعيق هذه القراءة. الواقع القائم يقول إن هناك كتبا ممنوعة كثيرة والواقع المرادف يقول إن كل الكتب التي يريدها الرقيب أن تسود في المكتبات هي السائدة. السؤال لماذا لم تحقق تلك الكتب المفروضة على الناس الوعي المطلوب وتنقذ الأمة من الجهل وتتوقف البكائيات؟ ثلاثون سنة أو أكثر حرمت المكتبات التجارية المحلية من الكتب الحديثة والروايات والأعمال الأجنبية. ترى ما هي النتيجة؟. إذا تجاوزنا تبسيط الأمور بترديدنا( كل ممنوع مرغوب) علينا أن نقرأ الجواب من معرض الكتاب.تركيز القارئ على الكتب الممنوعة والمصادرة والبحث عنها لم يأت من فضول طفولي. هناك حالة رفض جماعية للكتب السائدة أو على الأقل رفض أن يفرض تيار واحد ثقافته وفي المقابل هناك حالة فزع تنتاب الرقيب الأيدلوجي من تطورات الحرية في معارض الكتاب سنة بعد أخرى. إذا كان هذا الكتاب أو ذاك متهم بأنه يحمل مادة جنسية رديئة أو مادة فكرية خبيثة ثم يحقق (خلسة) في معرض الكتاب أفضل المبيعات فهذا يعني أن الإنسان السعودي يتعامل مع معرض الكتاب كفرصة للتعبير عن رفضه التام لهذا الاتهام ورفضه سيادة تيار ثقافي واحد.