لم يعد الفنانون والفنانات أبناء وبنات طبقات دنيا من المجتمع عمَّالاً وفلاَّحين ومِهَنيْ حِرف يدوية- مع إمكانية ذلك-(مثل:تحية كاريوكا ابنة جمَّال من العقيلات وعزيزة أمير ابنة عامل بحر)، وليس تكشف قراباتهم عن يتم وطلاق وترمل أو تمرد وانشقاق على أسر نبيلة ذات مكانة شرفية أو ذات مكانة قبلية أو عشائرية(مثل:بهيجة حافظ ويوسف وهبي وفريد الأطرش وأسمهان) ذرائع العمل في الفن والأدب بل جاء تطور الكثير من الفنانين والفنانات -في مجالي: الموسيقى والغناء -ما بعد منتصف القرن العشرين من جهتين عبر طبقة وسطى مع بقاء المنبع القديم من الطبقة المنبوذة محتملاً للعودة في فراغات حضارية ضمن مخاضات التحول والانتقال الاجتماعي والسياسي والثقافي: أولاً:جهة تطور من مكانتها عبر تعميقها عمودياً في التحصيل العلمي العالي بالمجال الفني والأدبي، وهذا حاضر في صورة عبدالحميد توفيق زكي ورتيبة الحفني وعفاف راضي وسوزان عطية وجمال سلامة وعبد الرب إدريس وهبة القواس وبندر عبيد على أن هذا لا يعد قياساً للمستوى والقيمة في الإنتاج الثقافي بما فيه الفني والأدبي، فإنه يمكن استثناء من كان إنتاجه يفوق تحصيله العلمي مثل عبد الرب إدريس وجمال سلامة بينما نذكر أن شهادات الدكتوراه الفخرية التي منحت لكل من محمد عبدالوهاب ورياض السنباطي لا تمثل شيئاً أمام ما قدماه للتراث العربي من قيمة كبرى في تطور أساليب وطرق الغناء والموسيقى عبر الحناجر والسينما والمسرح والأسطوانة طوال ما ينيف على منتصف قرن إلا أنها تقدير لاحق لا يتوازى أيضاً أمام تقدير الوجدان والذاكرة العربيين. ثانياً:جهة أخرى يمثلها النماذج التي تسير بشكل متوازن لكونها آتية من طبقة اجتماعية تطور مفهومها للقيمة الجمالية والإنسانية للفنون والآداب، ونرى أن في هذه النماذج ما يوهم بالوراثة بينما يكشف لنا ما هو عميق برغم أفقيته أن تظهر مواهب تكتشف وتوضع على الطريق السليم لتناميها وتطور خبراتها في عائلة واحدة بأثر من نشاط الأب أو الأم أو أحد الإخوة والأخوات في تنوع المجالات الفنية والأدبية مثل:ليلى مراد(ابنة المطرب زكي مراد)،وأم كلثوم(ابنة منشد إبراهيم البلتاجي)،وزياد الرحباني(ابن عاصي الرحباني وفيروز)،وفاديا الحاج (ابنة الرسام مارون طنب وأخت المغنية رونزى وعايدة)،وأنغام (ابنة الملحن محمد علي سليمان وعمها المغني عماد عبد الحليم وأمها المغنية أمل)، وسليمان الديكان (ابن الملحن غنام الديكان)،وسمية بعلبكي( ابنة الرسام عبد الحميد بعلبكي)،وزياد سحاب (ابن المؤرِّخ الموسيقي فيكتور سحاب وعمَّاه الناقد إلياس سحاب وقائد الفرقة سليم سحاب) وآخرون وأخريات. لعلنا نلحظ - إضافة إلى ما فات - تعدد مجيء الفنانين والفنانات من جهات خارج حقل الفنون والآداب، ومؤسسات تعليمها وتأهيلها، كأن نرى بعض الوجوه تأتي من باب دراسة الحقوق والمحاماة مثل محمود يس وشريهان، ومن باب الطب جاء كل من يحيى الفخراني وعزت أبو عوف وسوى هذه الأمثلة التي تغني في تنوع الاختصاصات الدراسية والتأهيلية لكوادر وعناصر اتجهت إلى حقل الفنون والآداب بما يجعل النظرة إلى صورة الفنان أو الفنانة تأخذ طابعاً خليطاً بين نظرة ثورية تفتح الدهشة ولو دون اقتناع، وتعمق مع الإعجاب الاحترام، وتنجز تسوية مفاهيم أخلاقية وقيمية من الجمهور تجاه الفنان والفنانة. تطور صورة الفنانة - بما أننا تحدثنا عن صورة الفنان في آخر فصل من هذا الكتاب-مرهون بتحولات تاريخية واجتماعية وثقافية ترتبط فيها الحالة العامة لتغيرات المظهر العام والذوق الاجتماعي رغم أن مسألة تفرد الفنان أو الفنانة لكونه نموذجاً متعالياً على السائد إلا أنه يمكن أن يضع حداً بين السائد والمألوف من خلال إقحام موضة جديدة وربما طابع عام يحافظ على مستواها وشكل مظهرها حين لا يمكن أن تظهر فيروز أو وردة في حفلاتهما، طيلة مسيرتهما التي بدأت متقاربة زمنياً منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، بالبنطال وقميص قصير أو طويل الأكمام وإنما تكتفيان بفساتين سهرة تقليدية معدل في تطريزها وشكها وفتحة الرقبة فإنه تستطيع بعض الفنانات من جيل لاحق مثل:سميرة سعيد أو لطيفة أو جوليا بطرس أو كارول سماحة أو أنغام الظهور بألبسة متنوعة في طولها وقصرها، وأقمشتها سواء كانت زاهية اللون أو جلدية لمزاج معين، وإمكانية تعرية الكتفين أو الساقين على العكس من صورة الغانية -عرض الأنوثة وفتنتها-التي تغلب على اختيار الألبسة الضيقة أو العارية وإبراز الصدر المكتنز والمنفوخ والأفخاذ المشدودة والبضة بين مألوف الأنثى أو مبتذله عند أمثلة : مادلين مطر أو هيفاء وهبي أو أليسا. ربما تأخذ صورة استثمار تلك الأنوثات المبتذلة في دعايات وإعلانات مجوهرات أو عطور أو مشروبات أو صبغات شعر كما حدث مع أليسا وهيفاء وهبي وسيرين عبد النور، وهذا ألفتنا إليه سابقاً. إذا كانت المغنيات ذوات الأصوات والإمكانات الفنية المتصلة بما يماثلها في الثقافة من فنون وآداب ومواهب تضع حدود الانجذاب وتأهيل الموضة لصالح الشخصية الثقافية بما تمثله من قيمة رمزية وما تشكل لها صورة المغنية من رأسمال رمزي عبر أغنيات ناجحة مغروسة في ذاكرة المستمع العربي على العكس من صورة الغانية التي تتداخل الحدود منجذبة متطرفة في بين تقدم الجسد غطاء لانعدام الموهبة، والتحرك ضمن دائرة الإعلامي عبر تحويل الأغنية سلعة مثل:المجوهرات وقارورة العطر.