ككل يوم .. يحرص القاضي ( ... ) على قراءة الدعاوى التي تأتيه من قسم محضري الخصوم .. ورغم أنها تأتيه جاهزة تماماً .. إلا أن اليقظة القضائية التي لا يستطيع عنها فكاكاً .. تأبى أن تزايله .. دعاوى متفرقة .. بلا خطام يجمعها .. طلاق .. حضانة .. تعويض .. ولاية .. كانت القضايا تترى .. لا تمكث لتقليديتها بين يديه سوى زمن يسير .. لكن .. الأخيرة أبت بحق أن تفارقه ..! ( يوسف ) بعد سنوات من عمله كقيادي في واحدة من كبريات شركات القطاع الخاص .. استلم شيكه الذهبي .. وعزم على أمرين .. نصفه يبدأ به مشروعه التجاري .. والمبلغ يفي به وزيادة .. والجزء الآخر .. يتملك به ذلك البيت العامر .. والذي لا يعرف لمَ مكث كل هذا الوقت دون مشتري .. هذا الأمر لا يعنيه .. ما يعنيه أنه دفع العربون .. وانطلق يستشير حتى مله المستشارون .. أصحاب خبرة .. ومهندسين .. كلهم بمجرد أن رأوا البيت .. أشاروا له بعلامة الانطلاق .. ( يا رجل .. امض ولا تلتفت ) . بعد 6 أشهر مثقلة .. بعناد مهندس الديكور .. والاجتماعات المتواصلة .. والعينات المتوالية .. آن له أن يسترخي في بيته .. بصحبة زوجته وأبنائه .. حيث ألذ جمعة يشعر بها على الإطلاق منذ سنوات .. الإضاءة الخافتة .. ربما هي .. ما أوحى إليه بتلك الأبواب التي تغلق .. ثم لا تلبث أن تفتح .. وتلك الأصوات الغريبة .. والتي هي درجة بين النباح .. والعويل .. لكن الجميع كان يسمعها بوضوح .. الوضع .. باختصار .. أن بيته العامر الرخيص .. كان مسكوناً بالجن ..؟! يتعرض العديد من الناس في معاملاتهم وبيوعهم التي يجرونها إلى عيوب تؤثر على نفاذها واستقرارها .. مما يترتب على ذلك خصومات بين الناس ومشاحنات .. لو علم الطرفان حقوقهما وواجباتهما عند تلكم الحالة .. لانتهت كثير من القضايا في المحاكم إلى الحل صلحاً أو حكماً .. خصوصاً وقد عني الفقهاء بذلك عناية فائقة .. وبحثوا تلك العيوب من جوانب عديدة . إن البيوع التي يكتنفها نوع خفي من التدليس يصعب إثباته كحالة صاحبنا أعلاه .. في كون البيت مسكوناً غير قابل للاستخدام .. لا شك بأنه تسري عليه القواعد العامة التي تحكم مسألة العيب الواردة على عقد البيع .. خصوصاً وأن البيع انعقد بين طرفيه على أساس خلو المبيع من العيوب إلا ما جرى العرف على التسامح فيه .. وهذا مما لا يتسامح فيه على الإطلاق . إن العيب سواء عرّفناه بتعريف العلاّمة إسماعيل العيساوي صاحب أشهر دراسة في أحكام العيب في الفقه في أنه ( ما يقتضي الشرع أو أصل الفطرة السليمة الخلو عنه مما يفوت به غرض صحيح ) أو أطّرناه بقرار محكمة النقض المصرية عندما أشارت إلى أنه ( الآفة الطارئة التي تخلو منها الفطرة السليمة للمبيع أو تخلف صفة كفل البائع للمشترى وجودها فيه ) .. فإنه يرجع في تحديده إلى الأثر والعرف .. والعرف قد نص على اعتبار سكنى البيت بالجن عيباً يحول دون التمتع بمنافع المبيع وذلك بناء على اشتراط الفقهاء شروطاً أربعة في كون الشروط التي يجب توفرها في العيب لكي تترتب عليه آثاره : • أن يكون العيب مؤثراً وضابط التأثير : ما أنقص القيمة أو المنفعة وكان جسيماً لا يتسامح العرف بمثله أو لا يمكن إزالته بدون مشقة . • أقدمية العيب وهي قضية تتوقف عليها قضية أخرى وهي : متى يكون المبيع من ضمان البائع ومتى يكون من ضمان المشتري ؟ • الجهل بالعيب إذ لا خلاف بين الفقهاء في أن الإقدام على شراء سلعة مع العلم بالعيب الذي فيها يخلي البائع من المسؤولية. • عدم اقتران العقد بالبراءة من العيب .. مع حق المتضرر من العيب في الرجوع على الآخر عند اطلاعه عليه إن علم كتمان الطرف الآخر للعيب وتدليسه عليه . إن الفقه الإسلامي بحر زاخر .. يكفل لك الحلول التي تعالج المشاكل التي تواجهك في حياتك .. أياً كانت غرابتها .. مما يجعل طالب العلم يقف على ساحله شاعراً بالرهبة .. تكتنفه عن الإبحار عميقاً في لجته ..! * الباحث في أنظمة العقار