في محاولة من بريطانيا فتح قنوات حوار مع حزب الله كمبادرة من دولة أوروبية كبيرة، يبرز على الجانب الأمريكي فتح حوار مماثل مع إيران على اعتبار أن الطرق السلمية لا تمهدها الحروب والخلافات، لكن في نفس التوقيت نجد على الساحة العربية مع إيران محاولة حذف البحرين من الخارطة، وإلحاقها بالدولة الإيرانية، وهناك تصعيد وحرب إعلامية مع مصر، وتهييج للأقليات الشيعية في الخليج بربطها بإيران رغم هويتها العربية، ويأتي غلق سفارتها في المغرب بناءً على العديد من التجاوزات والتهم لتخلق أزمة ثقة مع الرباط.. ونحن هنا ندرك أن إيران إذا كانت تريد أن تكون لاعباً محترماً في محيطها، فإن السعي للعبة الطائفية، ومحاولة إدخال المذاهب في القضايا السياسية والأمنية لكل بلد، إنما يصلان بالقطيعة إلى حدودها المؤسفة في حين كنا نطمع أن تكون إيران جسر تفاهم وعلاقات احترام تتساوى فيها المسائل الأمنية مع السياسية لنحقق معاً منطق المصلحة العامة، وليس تبني سياسات التصعيد العسكري، أو المذهبي.. حوارها مع أمريكا الذي ترحب به قياداتها مدفوع بأفكار التنازل عن مشروع تسلحها النووي، لكن أمريكا لم تخلق هذه البادرة بحس يتناغم مع العرب، وإنما بدوافع ضغط إسرائيلي دفع الدولة العظمى لأنْ تختبر نوايا إيران وفيما إذا كانت على استعداد للسير وفق مطالبها ومعها المجتمع الدولي المؤىد لها.. أما بريطانيا فهي تريد أن تفهم ما يفكر به حزب الله، وهل هو على استعداد لأنْ يتحول إلى مجرد حزب في دولة لبنانية قانونية؟ وتبقى الدوافع لا تتعدى المصلحة الإسرائيلية أولاً وأخيراً، ولعل الترحيب من طرفيْ العلاقة، إيران وحزب الله لهذه المبادرات لا نجده سائداً بنفس التكافؤ والمنطق مع دول عربية تريد بالفعل الوصول إلى عقلانية التفكير في مختلف القضايا ودون التدخل في الأمور السياسية وخصوصيات كل بلد.. قلنا مراراً إن الذهاب إلى أقصى حدود تصدير الثورة، فشل عربياً زمن عبدالناصر في أن يكسر حاجز الوطنية وهوية كل بلد واستقلاله، وضاع الاتحاد السوفياتي والصين والمنظومات الشيوعية أن تصل بثوراتها إلى كل العالم كما كان الحلم الطوباوي الذي رسم أُسسه ماركس، وحاول تطبيقه (لينين) وما يقال عن عالم إسلامي تهيمن عليه إيران هي أحد فصول (السيناريوهات) الفاشلة لأن الهوية القومية والوطنية، أعجزت الدولة العثمانية عن أن تحافظ على تلك الامبراطورية بسبب تجاهل أمزجة الشعوب عندما تجاهلت خصوصياتها وتراثها.. وحتى لا نصبح على خط تماس مع إيران سواء عن طريقها الشخصي أو أحزاب ومنظمات أخرى فإن قابليات الالتقاء لا تزال مفتوحة بشرط أن ندرك أن أي تصرف خاطئ لا يجني مكاسبه إلا الدول الخارجية، وإيران تفهم أن الحديث عن قوة مهيمنة أعجزت كل الدول ذات الكثافة العسكرية التقنية وكذلك المادية وصورة العراق وأفغانستان ماثلة في أعلى درجات المآزق لأمريكا.. عموماً الحصيلة من أي حوار ستكون إيجابياتها كبيرة، أما الاندفاع بحسب القوة فهو مغامرة مدمرة في كل الأحوال والأزمنة..