على افتراض أن الرئيس السوداني عمر البشير متهم بالإبادة والتشريد والاغتصاب، كما تقول مذكرة محكمة الجنايات الدولية، فالمشهد في الشارع السوداني بدلاً من الترحيب بالملاحقة لرئيسه تظاهر وندد مما أضاف شعبية جارفة للرئيس السوداني، ودعونا نتفق أنه مشارك بتلك الأفعال، فالموقف سياسي لتغطية الأطماع بمناجم اليورانيوم والنفط والمخزون الهائل للمياه تحت الأرض، وهو صراع دولي استهدف تقطيع السودان إلى عدة دول حتى تكون القوى الكبرى هي من تحصل على الغنيمة، وإلا فالبشير ليس أكثر جرماً من الرئيس بوش الابن، ولا زعامات إسرائيل، والذي يريد الحصول على سجل الجريمة العالمي يستطيع أن يدين كل المدعين بصيانة الحقوق، وهذا ليس دفاعاً عن السودان ورئيسه، وإنما إذا تساوت الجرائم والأفعال المضادة للإنسانية فمن باب أولى أن تتحقق العدالة في شمول كل المجرمين أياً كانت حصانتهم أو القوة التي تحميهم إذا كان الفعل مساويا لضده.. في دارفور حدثت جرائم يجب ألاّ يتسامح معها القانون السوداني قبل محكمة الجنايات التي تعتبر مسيسة ومدفوعة برغبات دول لديها أحكام مسبقة ضد البلدان الأضعف والأصغر، ولو قدر إنشاء محكمة تشهد تقديم الجناة للعدالة بحضور دولي لربما قطعت كل الطرق على المحاكم الأخرى، أو من يقفون خلفها.. الموضوع يحتاج إلى معالجات بعيدة عن الأهداف السياسية التي تحركها مفاهيم ومغالطات بدأت تفضح الجانب الخفي من غايات المحاكمة، ويكفي أن أمريكا سنّت قانوناً من جانب واحد، لا يجيز محاكمة أي أمريكي حتى لو شارك بجرائم العراق وأفغانستان وسجونها الطائرة، والثابتة، وهذه المفارقة تؤكد أن القوانين ليست نزيهة أو خارج الاتهام، ولعل السودان الذي يراد له أن يكون ملتقى الأزمات والمحاكم والمطاردات ليس المنطقة الرخوة في المنطقة، والرئيس السوداني كان بقدرته المواجهة لو طرح الحقائق أمام مشهد دولي عن كل ما جرى ليس من باب الحصول على شهادة براءة، ولكن لإنقاذ الموقف وكشف المستور والأسباب التي دعت إلى حروب أهلية كان بقدرته اختصارها بحلول غير عسكرية.. نعم لمحاكمة كل مجرم أو متهم لكن بفرضيات تعميم العدالة لا اختزالها، وإذا كان الرئيس السوداني متهما فشعبه وحده صاحب القدرة على إصدار الأحكام وهذا لا ينفي أننا مع أخلاقيات القانون الذي يرفض القتل والقهر والتمييز العنصري سواء بالسودان أو غيره.. المشكل في هذا البلد الكبير الذي لديه القابليات ببعث صراعات قبلية أو قومية ودينية، أنه لم يجد المدخل لتوحيده وفق ضوابط التعايش بين كل الأجناس والطوائف وهي مهمة لا بد أن تكون على أولويات الحكومة الراهنة أو القادمة إذا كان يراد للسودان أن يكون خارج مدارات الصراعات الإقليمية والدولية.