قبل فترة رفضت ايران عرضاً أوروبياً بتزويدها بمفاعل نووي يعمل بالماء الخفيف مقابل الاستغناء عن مفاعلها الذي يعمل بالماء الثقيل.. وكانت كوريا الشمالية قد رفضت قبل ذلك عرضاً مشابهاً من أمريكا واليابان مقابل تخليها عن مفاعلاتها العاملة بالماء الثقيل(...). - فما هو سر الثقيل والخفيف؟ وما الفرق بين الماء الثقيل والماء العادي؟ .. الماء العادي يتكون أساساً من مادتي الأوكسجين والهيدروجين (H02). أما الماء الثقيل فيحتوي على نظير لمادة الهيدروجين يدعى (ديوتريوم).. ولأن كتلة الديوتريوم أثقل بمرتين من الهيدروجين سمي بالماء الثقيل (ويدعى أحياناً أكسيد الديوتريوم ورمزه الكيميائي D02 ولاتنبت به البذور ولا تعيش فيه الأحياء). وفائدة الماء الثقيل - في المفاعلات الذرية - تكمن في قدرته العالية على التحكم بطاقة النيوترونات المنطلقة من التفاعل الذري. كما انه يعمل كمبرد لقلب المفاعل وينقل الحرارة بفعالية لتحويلها إلى طاقة بخارية مفيدة.. ورغم قدرة الماء العادي على لعب هذه الادوار إلا أن الماء الثقيل أكثر منه سرعة وفعالية!. وصراع الماء الثقيل بدأ عام 1932م في اوروبا حين اكتشف لأول مرة.. وحين نشبت الحرب العالمية الثانية كانت الدول الاوروبية تتسابق فيما بينها لتفجير الذرة والاستفادة من طاقتها الهائلة. وكان العالم الفرنسي «كوري» أول من أدرك أهمية الماء الثقيل في انشطار اليورانيوم فنصح الحكومة الفرنسية بالحصول على أكبر كمية منه. وفي ذلك الوقت كانت شركة نورسك هيروي النرويجية الوحيدة القادرة على إنتاج هذا النوع من المياه. وبإلحاح من «كوري» طلبت فرنسا من الشركة شراء كامل إنتاجها من الماء الثقيل.. كما أوعزت إلى بنك باريس بشراء أكبر قدر من أسهم الشركة - التي لم تعلم بأهمية إنتاجها - لحرمان الدول الاخرى. إلا أن تسرع فرنسا ورغبتها في شراء جميع إنتاج نورسك اثار ريبة المخابرات النازية (الجستابو) وحين كلفت الحكومة رجل المخابرات الفرنسية جاك البيه باتمام الصفقة كان النازيون قد علموا بالموضوع فحاولوا منعه. وعند اقلاع شحنة الماء الثقيل نحو باريس اعترضتها المقاتلات الألمانية وأجبرتها على الهبوط في مطار هامبورج. وحين صعد رجال الجستابو للطائرة كانت ابتسامة النصر تعلو محياهم إلا انها سرعان ماتلاشت حين اكتشفوا أن الطائرة لا تحمل سوى الطيار ومساعده. فقد أدرك جاك البيه انه مراقب من قبل المخابرات الألمانية فغير مسار الشحنة ونقلها جواً إلى اسكتلندا ثم بحراً إلى فرنسا. غير أن الفرنسيين لم يهنأوا بحصولهم على الماء الثقيل إذ سرعان ما غزى الألمان فرنسا نفسها (عام 1940م) كما استولوا على مناجم اليورانيوم في تشيكوسلوفاكيا. وحين أصبح الألمان على مشارف باريس شحن «كوري» المياه إلى جنوبفرنسا وخبأها في أحد السجون - ومن هناك نقلت إلى بريطانيا حيث خزنت في قلعة وندسور. وحين أصبحت المياه الثقيلة في أيدي البريطانيين أدركوا أن ما يعوزهم - لإنتاج مفاعل ذري - هو الحصول على اليورانيوم فقط. ولأن النازيين استولوا على مناجمه في تشيكوسلوفاكيا فكرت بريطانيا بالحصول عليه من الكونغو - وفعلاً تمت الصفقة وشحن اليورانيوم إلى بريطانيا. ولكن لندن سرعان ما أدركت ضخامة التكاليف المطلوبة لبناء المفاعل فنقلت المشروع بأكمله إلى أمريكا - حيث استعمل الماء الثقيل لأول مرة في المفاعلات الذرية ولعب دوراً كبيراً في إنتاج أول قنبلتين دمرتا هيروشيما ونجازاكي.. ومازال الصراع مستمراً..