عُرفت السينما كظاهرة جديدة في آواخر القرن التاسع عشر، وتطورت لتأخذ أشكالا وأبعادا عديدة لتقف اليوم في الصف الأول كأحد أهم وسائل الترفيه والتواصل معا. طال تأثير السينما وكسر (التابو) في عدة مواضيع من الأدب إلى السياسة. فأصبح الفيلم بمثابة بساط سحري ينقلنا على اختلاف أجناسنا، هوياتنا ولغاتنا إلى ثقافات متعددة عبر أمكنة وأزمنة متحركة بين الماضي والحاضر وحتى المستقبل. لم أظن يوما وأنا أقرأ عن غاندي بشغف أو أرى تمثاله المجسد في متحف الشمع بلندن بأنني سأمتلك فرصة ذهبية بمعايشة تاريخه وأحداث واقعه إلا عندما شاهدت فيلما عن تاريخ نضاله يصور بفنية وتقنية عالية أدق تفاصيل حياته لتلك المرحلة من النضال الهندي ضد المستعمر البريطاني. كما أن فيلم “Rain Man” "رجل المطر" وفيلم “Beautiful Mind” "العقل الأخاذ" يشكلان مثالا حيا على قدرة السينما للمقاربة بيننا وبين حالات انسانية نادرة لم نكن لنتعرف عليها بهذه الدقة إلا عن طريق سينما شفافة وواعية. بعد عشرين عاما على كارثة حرب رواندا 1994م جسد المخرج (تيري جورج) في فيلمه "هوتيل رواندا" عام 2004م تفاصيل المذابح الفظيعة للحرب القبلية التي نشبت هناك إثر التقسيم العنصري الذي خلفه الاستعمار على أرضها. تابعت أحداث الفيلم التي صورت بواقعية الحياة الاجتماعية المضطربة لتلك الفترة فخلتني أعيش فجيعة تلك الحرب. خرجت من الفيلم بانطباعات إيجابية على رغم أن كل ما في الفيلم كان يدفع إلى الألم والذهول، ولكن أتاح لي تجسيد الأحداث سينمائيا أن أعايش فترة سياسية هامة لم أكن أعيها في حينها. وبمراجعة سريعة لعدد من القراءات السينمائية لفيلم "هوتيل رواندا" نجد بأن الكثير من النقاد السينمائين (كستيفن هولدن) صرحوا بأن الفيلم يعد رسالة صارخة للسياسة الأجنبية المستعمرة وما تخلفه من دمار اجتماعي وحروب أهلية في تلك البلدان التي لطالما عاشت في وئام مع بعضها البعض. ألم يحن الوقت لأن توجد في العالم العربي صناعة سينمائية تسجل المجازر التي انتهكت حق شعوب الوطن العربي من اقصاه إلى اقصاه.. الجزائر، فلسطين، لبنان والعراق. سينما تصرخ تستنكر الموت وتوثق تلك الأحداث للمستقبل!