في تمام السّاعة (01:00 GMT ) من فجر (الاثنين 8 آذار)، سيدخل قُرابة ال 60 عملا سينمائيا ما بين روائيٍّ طويل ووثائقيّ وقصير ورسوم متحرّكة إلى حلبة الترقّب التي شيّدها مجد (الأوسكار). إنّها المناسبة السينمائيّة الأهم والأشهر على مستوى العالم، ناهيك عن قيمتها الاعتبارية والترويجيّة.. وإنْ كنّا لا نتّفق مع أهواء القائمين على الأكاديمية في اختياراتهم وترشيحاتهم أحيانا، ولا ينقصنا – كمتابعين – المبرّرات لذلك الاختلاف. أفضلُ فيلم عشرة أفلام تتنافس على هذه الجائزة، بعضها لا يستحقّ الوصول إلى هكذا مستوى رفيع في الترشيح. وبعضها الآخر يربكنا لدرجة أنّنا نحار أيّ هذه الأعمال أرفع من الآخر قيمة ورسالة وانسجاما مع الفن. وفي تصوّري – وقد شاهدتُ جميع الأفلام المترشّحة – ومع قليل من الإنصاف والجديّة، ستكون المنافسة مشتعلة بين الأعمال الثلاثة الأهمّ: ( An Education التّعليم) و ( Up in the Air في الجو) و ( Avatar تجسُّد). ففي الفيلم الأوّل الذي تدور أحداثه بضواحي لندنَ في ستينيّات القرن الماضي، ثمّة رسالة تربويّة عالية القيمة، بالإضافة إلى ازدحام العمل بالمشاعر والتفاصيل البيتيّة الصغيرة، والأفكار التي من الممكن أن تدهم أيّة فتاة مراهقة في السادسة عشرة من عمرها تشرف على الضياع بعد أن كانت مرشّحة لإكمال الدراسة في جامعة (اكسفورد) العريقة، وذلك بسبب رجل مختلّ عاطفيا، بالإضافة إلى السّرقة فهو يمارس هوايته في تدمير حيوات الفتيات المراهقات. إنّ الفيلم لمسة تفتقر إليها معظم أفلام السينما الأمريكيّة الحاليّة، وهنا تبرز أهميّة الرعاية البريطانية لهذا الفيلم والزجّ باسم مؤسّسة صارمة الجديّة ك BBC Films. أمّا الفيلم الثّاني فيخطئ من يظنّ أنّه على وشك مشاهدة فيلما كوميديا خفيفا يقتل وحشة أمسية ثقيلة. إنّه فيلم بارع يتحدّث عن مفهوم (الجدوى) من كلّ شيء في هذه الحياة وأهمّها عنصر (العلاقة) على اختلاف مستوياتها الاجتماعية وحتّى الأُسريّة منها. الفيلم يقول لنا إنّ ثمّة من يقضي عمره دون هدف سوى جمع أكبر عدد من (الأميال) الجويّة خلال أداء عمله كمتخصّص في إنهاء وظائف الآخرين.. أعني طردهم بأدب. إنّه يحصل على رزقه عبر ابتكار أفضل الطرق لقطع مداخيل وأرزاق الآخرين. الفيلم شديد الواقعيّة والالتصاق بالحالة الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها العالم أجمع ولا سيّما الولايات المتّحدة الأمريكيّة. كما أرى فالعمل مهم على المستوى الجماعي لا الفردي كممثّلين. أمّا في الفيلم الثالث فيكفي أن نقول بأنّه ملغّم بالرسائل التي تتأرجح بين الإنساني الرّفيع والسياسيّ الحاد والأخلاقيّ الواضح. إنّ فيلم ( Avatar تجسُّد) استطاع أنْ يجمع بين الخيال العلمي والتقنية العالية والحداثة التي أبهرت كلّ من شاهده حتّى اليوم.. كلّ هذا جمعه بهدف نبيل. الفيلم يقول بمنتهى الوضوح: لسنا صالحين أو نظيفين.. أبدا، ولم نكن. إنّما لن يفوتني التنويه هنا بفيلمين مهمّين هما (The Hurt Locker خزانة الألم) الفائز بجائزة (البافتا) البريطانيّة المرموقة مؤخّرا. وهو عبارة عن مجاراة لحياة الرّعب النّفسي التي يعيشها فريق إبطال مفعول العبوّات الناسفة والمتفجّرات التابع للجيش الأمريكي في العراق. ويحتوي على مشاهد في أفغانستان أيضا. وفيلم ( A Serious Man رجل جادٌّ) الذي يمكن اعتباره كوميديا سوداء مليئة بالأسئلة والشّكوك. أفضل ممثّل أوّل من بين الأسماء الخمسة التي ترشّحت لهذه الجائزة، أعتقد أنّ المنافسة الحقيقيّة ستكون بين (Jeff Bridges) عن دوره الباهر في فيلم (Crazy Heart قلب مجنون)، و (Colin Firth) عن دوره المختلف في الفيلم المختلف ( A Single Man رجل أعزب). وإنْ كنتُ أميل إلى (Jeff Bridges) حيث تتواءم معايير الأداء الطبيعي غير المتكلّف والقصّة التي تعالج تحوّلات شخصيّة تبدأ حياتها من جديد وبأمل وهي على مشارف السّتين. إنّه فيلم – ناهيك عن الدّور – صادق جدا. كما لن يفوتني التنويه إلى ترشيح دور النّجم الكبير (Morgan Freeman) في فيلم (Invictus)، حيث أدّى ببراعة لافتة شخصيّة المناضل العالمي (نيلسون مانديلا). أفضل ممثّل ثانوي لا يمكن تجاهل دور (Christoph Waltz) في فيلم (Inglourious Basterds أوغاد مشينون) ؛ باختصار أقول: لا يمكن. ذكاء حاد وقسوة مفرطة وغريزة حيوان، إنّه دور متكامل لضابط نازي شديد الولاء والدموية. وكلّ الترشيحات ستبدو هزيلة أمامه. فيما أقربها للمنافسة سيكون (Woody Harrelson) عن دوره في الفيلم المؤثّر (The Messenger الرّسول) الذي يتحدّث عن ضابطين يتمّ تكليفهما بإبلاغ العائلات بالخبر الصاعق: ابنك ابنتك قُتل قُتلت في العراق أو أفغانستان.. إلخ. الفيلم ذو فكرة جديدة وإن لم يكن متكاملاً من النّاحية الفنيّة. أفضل ممثّلة أولى لو كان لي من الأمر شيء فلن أرشّح غير الرّقيقة (Carey Mulligan) عن دورها الأخّاذ في فيلم ( An Education التعليم)، حيث أتقنت في هذا الدّور بانفعالات المراهقة. أمّا بقيّة الأسماء – وهي أربعة – لم تنجز ما يؤهّلها لهكذا منافسة. أفضل ممثّلة ثانويّة ثمّة لذّة مفرطة في هذا الترشيح تحديدا، حيث كلّ الأسماء أدّت أدوارها بأناقة، كلّهنّ على قدر من البراعة يؤهّلهنّ لأوسكار؛ ولأنّ هذا غير ممكن؛ فأنا أرجح أن تكون المنافسة بين اثنتين فقط؛ (Mo Nique) عن دورها المحترف في فيلم (Precious الثّمينة) حيث أدّت دور الأمّ المتسلّطة والمريضة نفسيّا والجائعة جنسيّا بشكل أقرب إلى الكمال الفنّي. ويليها في الأهميّة دور الممثّلة (Maggie Gyllenhaal) في الفيلم الرّائع الذي أشرنا إليه أعلاه (Crazy Heart قلب مجنون)، تلك الصحافيّة والأم الوحيدة التي تغرم بمغنٍ ريفيّ مهمل، وتشرف على فقدان ابنها بسبب إهماله، لقد أدّت دورا جيّدا. أفضل مُخرج سيكون كنديا، إذ حتّى اللّحظة لم أسمع أو أقرأ لاسم جادٍّ أو مهتمٍّ يستبعد نيل الكنديّ السّاحر (James Cameron) لهذا التكريم عن فيلمه الخارق لكلّ مقياس سينمائيّ معروف أو متداول ( Avatar تجسُّد). وهو رأيي أيضا؛ لكن إنْ فاتته الجائزة لسبب أو لآخر فلا أظنّها ستخطئ الكنديّ الشّاب (Jason Reitman) الذي نجح في أنْ يجعل من فيلم (Up in the Air في الجو) عملا ناجحا على المستوى الجمعي كما أسلفنا أعلاه. أفضل فيلم بلغة أجنبيّة ثمّة اعتبارات تقودني إلى الاعتقاد بأنّ الفيلم الإسرائيلي الجميل ( Ajami عجمي) ل (إسكندر قبطي & Yaron Shani) والذي نال تكريما وإشادة في مهرجان (كان 2009) وسواه. الفيلم يتحدّث عن حياة واقعيّة لأبناء يافا، وقد استمدّ اسمه من (حي العجمي) أحد أحياء المدينة الشّهيرة. ينتقل بنا من عادات البداوة والثّأر إلى الاسترزاق عبر بيع المخدّرات إلى معاناة فلسطينيي الضفّة مقارنة بفلسطينيي إسرائيل، ثمّ التمايز الواضح بين فلسطينيي إسرائيل أنفسهم والاسرائيليّين اليهود. الفيلم يريد أن يقول الكثير ولكنه يفشل في رأيي. نجاحه الوحيد أنّه استعان بممثّلين غير محترفين كي يكون المشهد أكثر واقعيّة. على الجانب الآخر ثمّة شعور بأن ينجح الفيلم الفرنسي المهم (Un Prophète نبي) لمخرجه الفرنسيّ الفذّ (Jacques Audiard ) الذي حصد إشادة وجوائز (كان 2009) و(البافتا) و(سيزار) قبل أن يدخل إلى معترك (الأوسكار). إنّه فيلم يخوض في وحْل السجون الفرنسيّة والتمييز العنصري بداخلها وتناحر الجالية الجزائريّة العملاقة هناك فيما بينها. الفيلم يسلّط الضوء على الفروق الاجتماعيّة الهائلة والفساد الإداري والمهني لمؤسّسة السجون. ويناقش الإشكاليّة الأعظم التي تواجه المهاجرين: الجريمة وارتباطها – النمطي – بهم. إنّه فيلم جيّد. أفضل موسيقى تصويريّة يبدو أنّه سيكون صراع العمالقة؛ حيث إنّ أهم عملين للمترشحين الخمسة هما ل (James Horner) عن فيلم ( Avatar تجسُّد) ، و (Hans Zimmer) عن فيلم (Sherlock Holmes) وهو الذي أميل إليه، حيث تلك الرّوح المنتبهة المتجدّدة التي نجدها في كلّ أعمال الرّجل. مع تشديدي على أنّ (James Horner) لا يقلّ روعةً، إنّما بدا العمل كأنّه خليط من أعمال سابقة، وكأنّه يكرّر تجربته في ( A Beautiful Mind ) و ( Braveheart ).. أو هذا ما لمسته أنا على الأقل. ولن أستغرب لو فازَ (Marco Beltrami & Buck Sanders) عن فيلم (The Hurt Locker خزانة الألم) الذي يوظّف ببراعة أجواء عراقيّة معاشة من قبيل الآهات وصافرة الإنذار وصوت الأذان.. إلخ. أفضل فيلم رسوم متحرّكة نظرا للرسائل الإنسانيّة الكبرى التي يحملها العمل الرّاقي (Up عاليا) سيكون من الصّعب منافسته بشكل جادٍّ. وإن كان ثمّة فرصة لغيره فقد يكون في العمل اللّطيف (Fantastic Mr. Fox السيّد فوكس الرّائع)، حيث يحمل في طيّاته جانبا تربويّا لا يخفى. أفضل سيناريو ونصّ أصليّ أعتقد أنّ سيناريو فيلم (Precious الثّمينة) ل (Geoffrey Fletcher) هو الأوفر حظًّا، حيث التدفّق السّلس، والتحكّم المحترف بأطراف العمل وشدّها متى ما اقتضتِ الحاجةُ. بينما يمكن اعتبار سيناريو الفيلم المغاير (District 9 الحي 9) ل (Neill Blomkamp & Terri Tatchell) منافسا محتملا. أمّا بالنسبة لجائزة أفضل نصّ أصلي؛ فأميل إلى الاعتقاد أنّ النصّ ( A Serious Man رجل جادٌّ) ل (Joel Coen & Ethan Coen) هو الأجدر. إنّه عمل باذخ من حيث ثراء الفكرة التي يعالجها والقدرة على تحويل التفاصيل التافهة إلى أسئلة وجودية كبرى. فيما بقيّة الترشيحات متساوية القيمة. خاتمة إنّ الوقوف على ترشيحات بهذا الحجم واستعراضها في عجالة – كما فعلنا – سيسلب منها بعض بريقها. أيضا فإنّ الترشيح من منطلق ذائقة شخصيّة – وإن كان يأخذ بنظر الاعتبار قيم الجمال وركائز الفن السّينمائي - أقول هكذا ترشيح قد يعطي انطباعا للقارئ بأنّني أعطي حكما ناجزا، وهذا غير حقيقيّ. آملاً في الوقت ذاته أن تكون توقّعاتي أقرب إلى النتائج التي سنتابعها معا لاحقا.