ظلت المفاهيم السائدة عن هيئة الرقابة والتحقيق أنها تراقب وتكتشف العديد من المخالفات ثم تكتب للجهات المعنية دون ممارسة صلاحياتها الأساسية في المحاسبة النظامية والشرعية، غير أن تقريرها أمس الأول بضبط (2597) قضية جنائية في التزوير والرشوة، والمتورطون (3875) شخصاً، فإنها بهذا الإنجاز لا نعتقد أن الهيئة خصم طالما استطاعت أن تكتشف الثقوب في الرداء الحكومي لتحاسب المقصر أياً كانت وظيفته، ولا معتدية بدون حق، ولعل مكافحة الفساد والكشف عنه ومعالجته بمضامين النظام، وبروح القاضي العادل، تعتبر البادرة الأهم، لأننا لسنا مجتمع المثل العليا، ونحن نرى خروقات كثيرة، وجرائم تصل إلى حد الاعتداء والقتل والسرقة وغيرها، في الوقت الذي لا يزعم أحد أن تلك الحالات أصبحت ظواهر بارزة لكنها موجودة في صلب المجتمع.. الجديد في إجراءات هذه الإدارة أنها اعتبرت وسائل الإعلام عاملاً مساعداً في الكشف والرقابة، وهذا الأمر نادر الإقرار به في العديد من دوائرنا الحكومية، وحتى القطاعات الأخرى، عندما تصنف الصحافة، كخصم يروّج للإشاعة والأحداث لمجرد الترويح، وهذا المفهوم غير منطقي فهل ما نُشر قبل عدة أيام عن مأساة المبيد الذي أودى بحياة طفلين أجنبيين في جدة، ونقل والديْهما للمستشفى للمعالجة، أو كشف أدوية وحليب وسلع أخرى مغشوشة لا يدخل في مهمة الصحافة ودورها؟ هيئة الرقابة والتحقيق ذراع الدولة أمام أي تجاوزات نظامية، وعندما تكشف عن حالات فساد فهي مؤتمنة على وظيفتها، والحاجة لها دائمة وليست طارئة لأننا أمام واقع متفاعل وسريع التغير، لا نستطيع أن نطعن بأمانات الآخرين، لكن بالمقابل لا ندير رؤوسنا عن واقع يحدث ويتطلب المحاسبة.. كنا نتمنى من ديوان المراقبة العامة صاحب الوظيفة المماثلة أن يعلن عن إجراءاته، ليس فقط للردع، وإنما لكشف أننا لسنا ممن يغمض عينيه ولا يسمع ولا يتكلم، لأن ما يتحدث عنه الناس بالعلن في مجالسهم، ومنتدياتهم، سواء جاء صادقاً أو مبالغاً فيه، يكشف عن أن هناك خروقات كثيرة تحتاج الأخذ بمبادئ النظام حماية للمال العام، ولأن ما قامت به هيئة الرقابة والتحقيق يعتبرمستنداً وتجربة يجب أن يُحتذى بهما ليكونا رادعاً للمتلاعبين والمتسترين خاصة وأن سيادة مثل هذا السلوك تتجاوز النظام وتعتدي على الحقوق العامة والخاصة.. نتذكر أن هناك نظاماً عُمم وأشيع في الدوائر الحكومية بمفهوم ومساءلة «من أين لك هذا» ولو فعّل هذا النظام وصار سلطة رقابية متحررة من معوقات الأنظمة لربما كان هدفاً مثالياً في دوائرنا الحكومية، وخارجها، لكن الأسباب التي أدت إلى تعطيله جعلت تفسير (مال الدولة حلال) جزءاً من سلوك مرفوض، غير أن ما قامت به هيئة الرقابة والتحقيق أتى مبشراً بألف خير..