المخطوطة هي: الكتاب الذي كتب باليد في عصر ما قبل الطباعة لحضارة معينة، ولبيئة علمية وثقافية معينة، وعندما تسند كلمة: المخطوطات إلى كلمة الإسلامية يتحدد قصد المخطوطات التي أنتجها المنتمون إلى الحضارة الإسلامية بأجناسهم ولغاتهم وعقائدهم المتعددة على امتداد العالم الإسلامي، وفي أعماق تاريخهم الحافل من بدايته إلى آخر القرن الثالث عشر الهجري على الأرجح. والكتاب هو: وعاء من أوعية المعلومات توضع فيه ويحتويها؛ لنقلها بين المشتغلين بها وحفظها على مدى الأزمنة والأمكنة، وبالنسبة للحضارة الإسلامية: أودع في هذا الوعاء: بدءًا بالأشرف وهو القرآن الكريم ثم الحديث الشريف، بعد ذلك إنتاجهم الثقافي: سواء المعلومات العلمية التي أنتجها العلماء في سائر علومهم العلمية، و كذلك ما أنتجته الحركة الفكرية التي تجاوبت مع قضايا الأمة الكبرى، وأحداثها الحاسمة، إلى ما كان أُلِّف للتسلية مثل كتب السير الشعبية، وحتى كتب السحر والخرافات. وتشتمل هذه المخطوطات في مكوناتها وما يتعلق بها مباشرة على أنواعٍ من العناصر: ٭ عناصر مادية متجسدة هي: الورق والغلاف والمواد المستخدمة في التغليف من خيوط وأقمشة وجلود وأغرية، وأحبار الكتابة وألوان التزويق إلى غير ذلك. ٭ عناصر مهنية وفنية وهي: الخط، والزخرفة والتصوير (التزويق)، وأحجام المخطوطات وأشكالها (رأسية هي أم أفقية)، وهيئة صفحة المخطوطة في الورقة: نسبة الطول إلى العرض، توحد بدايات ونهايات الأسطر، واستقامة الأسطر مع تساوي الأبعاد بين الأسطر، وتناسب صفحة النص مع الهامش، صفحة العنوان، وصفحة بداية المخطوطة وصفحة الختام، وآليَة الربط بين الأوراق والملازم سواء بالأرقام أو بالتعقيبات، والتجليد من الناحيتين الحِرَفية أو الزخرفة، ويتبع دراسة هذه العناصر المهنية والفنية دراسة الأدوات التي تستخدم في تنفيذ هذه العناصر: يتعلق بعضها بالكتابة وبعضها بالتزويق وبعضها بالتجليد. ٭ عناصر تحريرية (غير النص الأصلي الموضوعي من النصوص الموجودة في المخطوطة): منها ما هو توثيقي يوثق سلامة نص المخطوطة مثل: نصوص المقابلات والتصحيحات، وتوثيق الاستفادة من المخطوطة بقيود: المطالعة والقراءة والسماع المثبتة فيها، وتوثيق تمام النص من المؤلف أو الناسخ في آخر الكتاب، وقيد ختام الناسخ ببياناته المتعلقة باسم الناسخ وتاريخ النسخ ومكانه، والمستنسِخ، وتوثيق التملك والوقف، وأحياناً يُثْبَت في المخطوطات قيود تواريخ مواليد وأحداث، ويكثر في المخطوطات فوائد ومنقولا ت من كتب عدة تمتلئ بها الأوراق التي تسبق النص أو تلحقه، أوفي أثنائه. وبما أن ما وصلَنا من مخطوطات إسلامية كلها تمت بصلة بكل الأزمنة والأمكنة الإسلامية التي أنتجت مخطوطات، بكل التنوعات والتقلبات والتطورات العلمية والثقافية والمهنية والمذهبية والسياسية، وهنا يلاحظ أن التبدل والتحول السياسي سواء على مستوى الخلافة أو السلطنة كثيرا ما يستتبع تحولا في العواصم والحواضر والأقاليم الفاعلة والمزدهرة في تاريخ الأمة: ففيه حواضر كانت مزدهرة ثم بالتحول السياسي الذي أفقدها نفوذها السياسي خبا ازدهارها، وصلت إلينا مخطوطاتها من كلا المرحلتين يُلحظ الفرق بينها، كما يُلحظ الفرق في حاضرة تتابعت فيها التحولات السياسية مع استمرار ازدهارها في أغلب مراحلها السياسية كمصر مثلاً في العهود: الفاطمية والأيوبية والمملوكية ثم العثمانية، وكثيرا ما يكون في الحضارة الإسلامية أن كل قبيل سياسي واجتماعي له مذهبه الديني ونسقه العلمي وميوله الفنية واهتماماته المهنية والتجارية، ولكل ذلك انعكاساته على مخطوطات كل قبيل. ولقد توافر على إنتاج المخطوطات الإسلامية طوائف عدة ففي التأسيس مثلاً: بالنسبة إلى ضبط النص وسلامته ووثاقته فالمحدِّثون، وشاركهم فيه غيرهم من علماء العلوم الأخرى في الحضارة الإسلامية، وأما الخط، وتنظيم صفحة المخطوطة في العهد المبكر فالخطاطون وفي الغالب هم كتبة الدواوين، وبعض هؤلاء الخطاطين عنوا بزخرفة المخطوطات كالخطاط علي بن هلال ابن البواب المتوفى في: (413ه) وقيل: غير ذلك،٭ وهؤلاء من أرسى أسس المخطوطات الإسلامية، ثم تولت طائفة الوراقين في الحضارة الإسلامية عبء إنتاج المخطوطة، ومن شاركهم من العلماء وطلبة العلم في نسخ كتبهم، وكذلك الحرفيون والفنانون ذوو العلاقة رحم الله الجميع. وهذه العناصر ليس الشأن معها أن تجتمع كلها في أية مخطوطة من المخطوطات الإسلامية، ولكن يشترط أن تجتمع في المخطوطة العناصر الأساسية، مع عناصر تُعَد مكملة لها، ثمّ فيه عناصر ترتفع بهذه المخطوطة إلى القمَّة مثل: أن تعْبُق بخطوط الأئمة من علماء الأمة وتصحيحاتهم، أو أن تجوِّد خطَّها يدُ خطاط له شأنه في تاريخ الخط العربي، أو أن يبدعَ فنان مشهور تزويقها والله أعلم. وما وصلنا من مخطوطات: سواء كانت مقابلة أو مصححة أو مزوقة ليست على درجة واحدة في ذلك، وإنما تختلف في السمات ومبلغها من الإتقان. وللمسلمين مذاهب في اختيار الهيئة التي تكون عليها مخطوطاتهم فأكابر القوم يعنون بالخط الجميل المجوَّد والزخرفة الأنيقة، ورجال العلم وأبرزهم المحدثون فغايتهم وضوح النص وضبطه موافقاَ لقاعدتي اللغة والرسم، وصحة المنقول، ثم إن فيه كتباً مع القرآن الكريم اشتهرت بالعناية بتجويد خطها والإبداع في زخرفتها وتجليدها مثل: (صحيح البخاري),وكتاب: (الشفاء) للقاضي عيا ض، كما أن الكتب الشعبية والخرافية تقل في الغالب العناية بخطها، وتكاد تنعدم الزخرفة فيها. إذاً أبواب التنوع وأسبابه في المخطوطات الإسلامية كثيرة، وكذلك أسباب النفاسة متعددة، والدنيا تعجُّ بمخطوطات من مخطوطاتنا الإسلامية تأخذ بالألباب، وتباع بأغلى الأثمان، وتفتخر بها دور الكتب والمتاحف في أقطار الدنيا؛ وذلك لاشتمالها على عنصرين أو ثلاثة من العناصر المهمة: كالقدم، أو كتابة إمام من الأئمة أو تصحيحه وضبطه لها، أو تعليقاته عليها، أو كتابة خطاط مشهور أو زخرفة فنان مشهور أو تصوير مصور بارع كذلك. الهوامش : ٭ جمهرة الخطاطين البغدادين/وليد الأعظمي ط 1: 1409 ه، بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة (آفاق عربية). مراجع مقترحة عن المخطوطات الإسلامية: (1) علم الاكتناه العربي الإسلامي/ قاسم السامرائي، ط 1 : 1422ه، الرياض: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. (2) الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات/ أيمن فؤاد السيد، ط 1 : 1418ه، القاهرة: الدار المصرية اللبنانية. (3) دراسة المخطوطات الإسلامية بين اعتبار المادة والبشر (أعمال المؤتمر الثاني لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، جمادى الآخرة: 1414ه...)، د. ط، د. ت، لندن: دار الفرقان. (4) المخطوط العربي منذ نشأته إلى آخر القرن الرابع الهجري/ عبدا لستار ا لحلوجي، د ط: 1398ه، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. (5) معجم مصطلحات المخطوط العربي/احمد شوقي بنبين ومصطفى طوبي، ط1425: 3ه، الرباط: الخزانة الحسنية.