لو كنتَ، عزيزي القارئ، مسؤولا عن التوظيف في إحدى الجهات في القطاع الخاص وكانت ميزانية تلك الجهة تتضمن وجود شواغر وظيفية، هل ستحرص على شغلها حتى وإن كانت حاجة العمل لا تستدعي ذلك؟. حسنا.. في منزلك، لو كنت ممن انعم الله عليهم، ولديك خادمتان ثم غادرت إحداهما واستطاعت الأخرى القيام بالعمل بنفس الجودة .. هل ستستقدم خادمة أخرى ؟. المنطق سيقول بان حاجة العمل هي التي ستكون العامل الحاسم في اتخاذك لقرارك. إذ لن تحمل الجهة التي تعمل بها وأيضا لن تحمل نفسك أعباء توظيف جديد فالحاجة لا القدرة هي التي ستحكم قرارك. هذا النوع من التفكير المنطقي نفتقده للأسف عند تعاملنا مع التوظيف في القطاع العام. المجتمع بما يمثله من أفراد وقادة رأي يضغط نحو الإفراط في التوظيف في القطاع العام رغم انه قطاع يعاني من اختلالات هيكلية ضخمة. في القطاع العام تخصصت أعداد هائلة من الموظفين لأداء أعمال تستطيع مجموعة اقل منها بكثير أداء نفس العمل بنفس الجودة. وفي الوقت الذي توجد فيه بطالة مقنعة في الكثير من الجهات الحكومية، فانك تجد بان جهات أخرى، أحيانا في نفس الوزارة أو المصلحة، لديها نقص شديد في مواقع أخرى تابعة لها. يقول عنوان الخبر المنشور في إحدى الصحف المحلية:" وزارة الخدمة تتهم الأجهزة الحكومية بالتأخر في تعيين 148 ألف مواطن". أي أن وزارة الخدمة التي تشير أرقامها إلى وجود هذا العدد الكبير من الوظائف تضغط هي الأخرى في اتجاه شغل الوظائف محملة باقي الوزارات مسؤولية عدم شغلها، بغض النظر عن حاجة تلك الجهات للتوظيف من عدمه. طبعا الخبر لم يشر إلى نوعية الوظائف فبعضها وظائف من نوعية سائس خيل أو عامل نظافة في حين إن بعضها وظائف نوعية تتطلب مهارات خاصة . ما أرمي إليه، على أي حال، هو أن تلك الجهات أدري باحتياجاتها، وان التوظيف لمجرد التوظيف ليس حلا لمعالجة معضلة البطالة. هذا غير أن وجود وظائف شاغرة ضروري للحفاظ على إمكانية ترقية الموظفين الحاليين عند استحقاقهم للترقية النظامية. تجميد الموظفين على رأس العمل، كما هو معلوم، يقتل فيهم الطموح والحافز للاجتهاد. الحكمة ضالة المؤمن، والحكمة تقول بان المال العام لنا ولأجيالنا القادمة، ولا يوجد مبرر يجعلنا نبحث عن حل مشكلة البطالة على حساب مستقبل قوت أجيالنا القادمة.