محمد بن عبد الله الشريف - الاقتصادية ظهر الدكتور غازي القصيبي وزير العمل أكثر من مرة وهو في هيئة نادل في مطعم يقوم بخدمة الزبائن، كما ظهر في أكثر من كلمة وموقف وهو ينادي بنبذ ثقافة العيب من نظرة الشباب إلى قاموس العمل، وهم يبحثون عن الوظائف، ودعاهم إلى عدم التردد في قبول فرصة العمل حين تأتي ولو كانت في مجال الأعمال المهنية..! ولا يوجد، في ظني، من لا يؤيد معالي الدكتور غازي في دعواته لو لم يتبق أمام الشباب إلا تلك الفرصة، لكن الشباب حين ينظرون إلى الوظائف الأخرى الأسهل عملا، والأكثر دخلا، من حولهم، يشغلها الوافدون، فإنهم سيقفون مترددين في قبول غيرها، مثل النادل في المطعم، الذي لن يتجاوز ما يوفره له صاحب المطعم كمرتب مبلغ 1500 ريال، لأنه سيجد غيره، من الوافدين، من يقبل بأقل من ذلك، فضلا عن أنه ليس ثمة ما يجبره على قبول السعودي!.. وثقافة العيب تلك مسألة نسبية، لا توجد إلا على نطاق ضيق في المجتمع، وفي مناطق محدودة، بيد أن مسألة النظر إليها كمسبب للبطالة، أو المطالبة بنزعها كلية من أذهان البعض، تبدو كمن عناهم الشاعر بقوله: ومكلّف الأيام فوق طباعها متطلب في الماء جذوة نار وهي، على أي حال، لا تصلح مشجبا نلقي عليه أعذارنا عندما نريد التنصل من تبعات مسؤولية توظيف الشباب، في حين نعلم أن هذه الثقافة غدت هامشية التأثير في كثير من مناطق المملكة، التي لا يأنف أبناؤها من ممارسة المهن الشريفة، ومن ثم فإن من يدعي أن البطالة معزوة إلى تأصل ثقافة العيب يبتعد عن الواقع، بخاصة وهو يعلم أن البطالة سببها معروف وهو فتح الأبواب لعمالة العالم تغزو بلادنا، وتسيطر على فرص العمل بكافة أنواعها بأجور متدنية، وترحيب كبير من أصحاب العمل، الذين لا يخرجون عن واحد من اثنين، إما مستغل للعامل، من حيث الوقت والحقوق، أو متستر عليه يؤجر اسمه له مقابل مبلغ يسير!... وفي ظل وضع كهذا يجد الشاب صعوبة كبيرة في وجود من يرحب به، خاصة في ظل عدم وجود أنظمة تفرضه فرضا ولو بنسبة 10 في المائة من العمالة الأجنبية!... أليس من المستغرب أن يستجدي الشاب عملا في بلده الذي يستقطب عمالة العالم ويشغلها؟! أو أن نطلب من الحكومة أن تكون هي الموظف؟!.. لقد اكتشف مجلس الشورى أخيرا أن هناك ما يقارب من 150 ألف وظيفة شاغرة في الجهاز الحكومي، وتساءل كيف يبقى مثل هذا العدد شاغرا، وهناك أضعافه من الشباب دون عمل؟! ومجلس الشورى محق في تساؤله لكنه سوف يتبين أنه لا يمكن إشغال هذه الوظائف كلها، فنسبة منها يكون مرتبط عليها للترقيات المكتوب أو المرفوع عنها، ونسبة أخرى، ربما تكون هي الغالبة، ذات طبيعة طبية أو فنية، أو يكتنف إشغالها صعوبات وقيود خاصة، ومن ثم فإنها لن تحل مشكلة البطالة التي تتفاقم وتكبر، وينشأ عنها كثير من المشكلات الأمنية والفكرية والأخلاقية، ولن يكون بمقدور جهة واحدة حلها، طالما أن أقرب الجهات إليها تلقي اللوم على الشباب، لأنهم لا يقبلون على بعض الوظائف المهنية...، وإذاً فإن مجلس الشورى هو الجهة المحايدة التي يمكن أن تنظر إلى المشكلة من خلال تأثيراتها وانعكاساتها السيئة على المجتمع، وبإمكانه بالتالي أن يقترح حلها من خلال فرض نسبة من الشباب على وظائف القطاع التجاري وحده!... دعونا نعود إلى السؤال الكبير الذي عنونت به هذه المقالة، فلو لم يعد لدينا من الأعمال التي يمكن أن يشغلها أبناؤنا غير النادل في المطعم أو ما يشابهها، لأرغمناهم على قبولها، لكن كيف يمكن لذلك أن يتم وأجبر ابني، حامل الثانوية (مثلا) على العمل كنادل وأنا أرى من الأعمال السهلة، التي لا تحتاج إلى مهارات عالية (مثلا)، آلاف الفرص، يحجبها عنه الوافدون؟! سأضرب أمثلة حية، في الأسبوع الماضي احتجت إلى أن أذهب إلى معظم معارض الأثاث في مدينة الرياض، للبحث عما يلزمني، مما تجتمع فيه الجودة واعتدال السعر، وهو ما أصبح معدوما هذه الأيام، المهم أنني لم أر بائعا سعوديا أو حتى عاملا في تلك المحال!..، لاحظوا أنني أتكلم عن موظف عادي ولا أتكلم عن فني، فما الصعوبة، أو المهارات الخاصة التي تحول دون توظيف المواطن في هذه الأعمال؟!..، التي قد يكفي فيها تدريب ميداني قصير لإتقان العمل، وهو ما أعتقد أن من يعمل فيها قد احتاج لمثله، وقس على هذا وظائف (بائع) ومسوّق وموزّع بوجه عام في المعارض التجارية الأخرى، هل هي أدعى للقبول من جانب الشباب، والأوفر فرصا ودخلا، أم عمل النادل وما يماثله؟!.. مثال آخر: عمل سائقي سيارات الأجرة (الليموزين)، ما الصعوبة في أن يكونوا كلهم مواطنين؟!..، بخاصة مع وجود فرص التكفل بتمويل شراء السيارة وتجهيزها للعمل من قبل مصدرين رئيسيين هما بنك التسليف والادخار، ومؤسسة عبد اللطيف جميل؟!...، هل رأيتم مثل ظاهرة الليموزين وسائقيها لدينا؟!.. مظهر سيئ، ومخبر أسوأ، ومخالفات وتمرد على التعليمات، وعدم اعتراف بأسلوب حساب الأجرة بالعداد!...، وفوق ذلك تتخيل وأنت تركبها وكأنك في البلد الذي أتى منه السائق، من الجو الذي يضفيه على السيارة بملابسه ورائحته، ولأن أكثر من يستخدمها السيدات فإنهن أكثر من يعاني من هذه الظاهرة!..، آه لو يعلم البعض منا، ولا أقول الكل، مقدار تأثير انطباع الأجنبي عن البلد الذي يزوره من خلال نظافة سيارة الأجرة، وتعامل سائقها معه، لقتله الغبن مما يرى!...، أما داخل مكاتب الشركات والمؤسسات المختفية عن الأنظار فالأمر أكثر غرابة، هل تتذكرون عندما منع الاستقدام على وظيفة سكرتير بدعوى تركها للسعوديين؟!..، نعم، لا يستقدم أحد على تلك الوظيفة، لكن ادخلوا إلى مكاتب الشركات، لتجدوا أنه ليس هناك من يوظف سكرتيرا سعوديا!..، إما لأن غير السعودي آمن على حفظ الأسرار، أو لأنه ليس هناك من يسأله لماذا؟.. سيأتي يوم يتمثل فيه كل شاب مؤهل عاطل، حجبت عنه فرصة العمل الشريف في بلده، بقول الشاعر: إذ يلتقي كلّ ذي دين وماطِلهِ مناد يجتمع المشكوّ بالشاكي والله من وراء القصد