ما كنت أحسب أني سوف أبكيه.. واليوم قلبي هو الذي - بالحزن السادر يرثيه.. كأنه حدث غير مصدق.. وإن كان لابد أن نصدق.. وأن أقول بيقين وثبات: اللهم لا راد لقضائك ولا معقب لحكمك. فقيدنا جميعاً أبا هشام... عبدالله بن محمد الحقيل. أعزي نفسي وكل من عرفوك من الأهل والخلصاء. أعزي فيك ما عرفناه عنك من الحكمة، والخير، والصدق، والوفاء. جنازتك المهيبة.. هي قلوب كانت تحيط بك، هي نفوس مؤمنة بالقضاء تحملك. الصلاة عليك، وهذه الآلاف من الداعين بالمغفرة والرحمة لك كلهم صادقون في الدعاء، كلهم لك ولحياتك الحافلة بالخير أوفياء حافظون. تلهج النفوس اليوم برثائك، وتبكي العيون أسفاً على فراقك، ومن يعزون فيك ويسطرون أحزانهم لفقدك، بعد موتك هم لاشك مخلصون لك، لأنهم عايشوك، عرفوك، رب الخلق النبيل، صاحب الفضل الكريم. عرفتك - كما عرفك الكثيرون - في حياتك مثالاً للإنسان الذي سكن كل الأفئدة، واحتل كل القلوب.. وأنت العلاقة الإنسانية السامية، وأنت المكانة الاجتماعية العالية، وأنت اليد البيضاء المعطاء.. لو تحدثت عنك وأنت بيننا لما كان للحديث مثلما هو الآن، وأنت في العالم الآخر بعيد عنا. ماذا أذكر من متنوع الشمائل التي اقتدى من عرفك بها فكنت خير قدوة. كم أذكر من مواقفك التي كثيراً ما كنت درعاً لمن وقفت معه فيها.. لله درك يا أبا هشام حياً، لله درك يا أبا هشام ميتاً.. كنت كماً هائلاً من صفوة الرجال في شخصك.. عشت بيننا بنكاً حافلاً بخزائن الفضل، والكرم، والأخوة والصدق، ورصيداً متزايداً من حبك للناس، ووثيق ارتباطك بالأهل، والأصدقاء.. واليوم، أنت بجوار ربك، تدعوه قلوبنا، ونرفع له بالضراعة أكفنا أن يتغمدك برحمته، وأن يسكنك فسيح جناته.. كما كنت فسيح القلب للجميع.. فسيح الصدر للقاصدين. يا أبا هشام.. أناديك كأنك حيّ بيننا.. هل أنسى يوماً أنك دائماً مشغول، كلما دعوتك في مناسبة عندي أرغب حضورك فيها أجدك مشغولاً بمن دعوتهم إلى دارك المضيافة أو سبقني أحد من الأحباب فلبيت دعوته. هل أنسى روحك المعنوية العالية التي لا تعرف القنوط أبداً حتى في أشد المواقف. وكيف أنك كنت تطمئن الجميع على صحتك، وأن العلاج ناجع - بإذن الله - مع أنه تبين لي بعد وفاتك أنك كنت - رحمك الله - على علم بخطورة ما تعانيه - لكنك آثرت ألاّ توجعنا بما عندك - وحين زرتك في (هيوستن) بصحبة صديقنا المشترك الأستاذ عبدالله بن محمد العذل - كانت فرحتك بنا كبيرة، وضحكاتك معنا سعيدة.. لم يلهك مرضك يوماً - وأنت هناك في العلاج عن الاهتمام بكل شيء، وبقضايا الوطن والحياة عامة.. مما يؤكد دوام انشغال قلبك وفكرك بالقضايا العامة أكثر من انشغالك بالمرض. لله درك يا أبا هشام.. لقد تركت لنا من بعدك ثروة هائلة، أعظم من كل الثروات، ثروة الأبناء الذين هم مثلك قدراً عالياً، وتميزاً خالصاً، سيبقون اسمك، ويجددون مواقفك.. أقدم العزاء فيك خالصاً لجميع آل الحقيل، وأخص منهم الأستاذ أحمد، والصديق المهندس عبدالعزيز، وهي كذلك لأخوتك عثمان، وخالد، وأبنائك جميعاً، وابنتك، ولزوجتك الصابرة المحتسبة، ولجميع محبيك خالص تعزيتي.. (إنا لله وإنا إليه راجعون)..