الرجل الذي جمع بين النبل والعقل والعاطفة.. عبدالله بن محمد الحقيل - رحمه الله - رجل لم تجمعني به علاقة المصاهرة فقط باعتزازي أن يكون خالاً مرموقاً لأبنائي، ولكن جمعتني به روابط كثيرة، من صداقة تمتد حتى مرحلة دراسة المستوى المتوسط والثانوي، عندما كنت تابعاً لوزارة المعارف في مدارسها، قبل أن يعترض مشواري التعليمي نزيف حاد، وكان هو - رحمه الله - طالباً مرموقاً في المعهد العلمي. ومن احترام مبكر يتصاعد بي تقديراً له، وأنا أشهده بمواهب شخصية خاصة، وكفاءة عقلية متميزة، يتجاوز طين دخنة التقليدي ليكون واحداً من أكفأ الرجال الذين عملوا في ميدان التخطيط ثم البلديات، وأخيراً ميدان الاقتصاد.. كان تأهيله المبكر أن يكون رجل ثقافة ولغة عربية، لكنه استعان بالثقافة واللغة ليكونا دعماً لقدرات كفاءة تنوع ثقافته بعد أن استكمل قدراته التعليمية في لندن بعد تخرجه بسنوات.. كان واحداً من أبرز من عملوا على إنجاح السوق المصرفية، وجعل البنوك المحلية أكبر داعم لحركة النمو المحلي، ولعل المشاركة والتحالف مع أكبر تجمع مالي عالمي هو شاهد براعة الكفاءة بالوجود الناجح والمرموق للبنك السعودي البريطاني، الذي كان أكثر البنوك صموداً أمام هزة الاقتصاد العالمي وأبعدها عن تيارات الخسارة.. في منزل عبدالله بن محمد الحقيل - بمناسبات الزيارات والحفلات الخاصة- تتعرف وبسهولة إلى أبرز نجوم المجتمع وقادة الاقتصاد وموهوبي الثقافة، فقد كان رجلاً متعدد العلاقات ومحترم المواقف، فهو عصامي لم يضف أحد درجة واحدة في سلم صعوده المتألق، لكنه بإنسانيته وعقلانية مواقفه، أضاف كثيراً لمن احتاجوا إلى مساعدته، وفعل ذلك من دون أن يعلنه، أو يبحث عن شاهد عليه، إلا من أوجدتهم الصلة العائلية، أو الخدمية بجانبه.. إذا قلت إنه في إنسانيته - وهنا الروعة - كانت له أبوة حانية باذلة لكثير من أفراد أسرته، ولم يتأخر إطلاقاً عن المساندة لأي نداء يدعوه إلى تعضيد أي مشروع إنساني أو اجتماعي تتألق فيه مصلحة المجموع.. لا الأفراد.. له حضوره التقديري المتميز عند الجميع.. الرجل الذي عايشته عن قرب.. ويكاد يتداخل بيتي مع بيته ومع ذلك تكشف لي الصدف - أحياناً - مواقف يبذلها من أجل غيره ويرفض أن يباهي بها، خصوصاً مع أولئك العاجزين الذين يجدون أن الإفطار في رمضان بمنزله له متعة كرم حقيقية لا تتوقف عند الطعام، ولكن يختتم الشهر الكريم بمساندات مادية لهم.. رجل ليس بفقيد عائلة فقط، أو مدينة انتماء فقط.. لكنه فقيد مجتمع كان من أبرز نجومه وكفاءاته.. العزاء لأبنائه وإخوانه وابنته.. ومع العزاء كثير من التقدير للسيدة التي أسكنته قلبها وعقلها، وقضت الأعوام الثلاثة الأخيرة وهي حاضنة همومه.. إنه لن يكون بعيداً عنها، ففي قلبها سخونة تداخل العواطف، وفي عقلها معه أرقى امتزاجات التقدير.. لأم ياسر صادق العزاء والإكبار لنبل مواقفها.