قبل أن نصل لمرحلة الوعي التي سمحت لنا بتنوع القراءات.. والدخول في جدل متباين التوجهات.. ونسمع بمصطلح "الشركات المتعددة الجنسية" الذي كان أحد المحاور المهمة التي طرحها الفكر الماركسي كأحد أهم وسائل الراسمالية لقهر الطبقة العاملة واستغلال الشعوب الفقيرة. قبل هذا بزمن طويل فهمنا معنى آخر ل "الشركات المتعددة الجنسية" من خلال عدد غير قليل من مشاريع "الزواج" الناجحة أو الفاشلة التي ربطت بين أناس من جنسيات مختلفة ففي حارتنا - مثلاً - أكثر من عائلة "مشتركة" وبيت "السوداني" في أوساط الرجال عند دكان "بن خالص" هو بيت "العسيري" في أوساط النساء وهو بيت "جدي محبوب" في أوساط اقراننا من الأولاد والبنات. غير أن مفهوم "تعدد الشركات" لم يتخذ بعداً جديداً يحمل بعض المفارقات إلا بعد أن ذهب أحد أهل حارتنا للبنان للعلاج وعاد ومعه زوجة "لبنانية". ولأن جميع أولاد وبنات الحارة ينطلقون من سلوك شبه موحد تجاه الرجال والنساء الذين في سن آبائنا وأمهاتنا يفرض على الواحد منا أن يكب - لا شعورياً - على يد الأب أي .. ويد الأم أي أم - حين السلام - ليقبلها ويسمع: - بارك الله فيك..!! أو احتجاجا من نوع: - يا مجنون شفتك راكب بسكلية.. لو مسكتك كان شفت شغلك..!! أو عتابا من نوع: - ناديتك أبغى اوصيك على حاجة.. قلت شوية وراجع ولا شفت وجهك. وطبعاً قانون الاحترام اللاشعوري يلزمك بالخوف من تلقي العقاب من أي أب وأي أم إذا أخطأت في حضرته. جاءت مفارقة "الشركات" أولاً عند السلام فحين أخذنا نكب على يدها لتقبيلها كانت تسحب يدها باستنكار شديد الأمر الذي أدهشنا كثيراً دون إفصاح أو تعليق ثم بعد سنوات كثيرة من مشاهدتنا لأفلام السينما أخذ وعينا يدرك أن تقبيل يد المرأة في "الأفلام" هو مقدمة أو دلالة بعيدة جداً عن التقاليد التي نشأنا عليها ولم يحاول أحد منا أن يتخلى عن عادة تقبيل يد ورأس الكبير خصوصا آباء وأمهات أصدقائنا الأكثر حميمية الذين ندخل بيوتهم دون "احم" أو "دستور"..!! فلا أحد منا يريد أن يتهم بقلة الأدب وعدم احترام الكبير.. وغني عن القول إنه لم يخطر على البال تضمين ذاك الاحترام والتقدير أي دلالة "سينمائية" ولا حتى في الأحلام. وإذا كان نقد الفكر الماركسي لأعمال "الشركات المتعددة الجنسية" كان لأسباب سياسية وعقائدية واقتصادية فإن معظم الزيجات التي عرفتها من هذا النوع أدت لنتائج سلبية انعكست على الأبناء والبنات بعد زمن طويل. وعلى سبيل المثال كان على أبناء "العسيرية" و"السوداني" أن يضطر بعضهم لحمل جنسية سودانية رغم أنهم لم يروا "السودان" إلا على الخريطة في أحد كتب الجغرافيا.. فيما اعتبر مواطناً من امتلك مهارات خاصة كلعب الكرة مثلاً. غير أن مفارقات "الشركات" لم تتوقف عند هذا الحد بل كادت تتدخل بين الأبيض والأسود. وما زلت أذكر أن أبي ترك "راديو" عند "مصلح الراديوهات" وفي الموعد المحدد أعطاني أجرة الإصلاح و"الأمارية" أي الأوصاف أعرفها جيداً حتى لا يعطيني جهازا آخر وذهبت لإحضاره "المهندس" شالني فوق تحت.. وضحك.. وقال: - شو راديو.. ما راديو.. أنت عم تتمصخر عليا..!! قلت: - اقلك أبويا أرسلني.. وهاذي الفلوس.. والراديو شوفه هناك أنا عارفه..!! قال: - يا زلمة مظبوط.. لكن ما بعطيك إياه..!! قلت باستنكار: ليه..!! قال: "معلوم اللي جابه زلمة أبيض.. وانته أسود وتقول ابويه.. شو ابوك؟". قلت لنفسي: "هيا يا عم حكم.. شوف حبك للسود وصلك فين.. لازم تجي بنفسك تأخذ الزفت اللي تبغى تصلحه"..!! رجعت أتمخطر.. يا واد فين الرادي.. قلت: قال لازم تجي بنفسك تأخذه .. ليش.. قلت: عشان انته أبيض وأنا أسود..!! - ملعون الوالدين.. قلت مازحاً: والله العظيم لازم تروح بنفسك. هب غاضباً وأمسكني بيدي وذهبنا. عندما رآنا "المصلح" قال ضاحكاً: "هيدا ابنك"..!! لا أدري كيف امتص أبي حنقه وقال: - لا.. اشتريته من "الدكة" وأبغى أبيعه.. تشتري..!!