منسجم أنا.. قلق أنا.. بهذه الرؤية الفكرية الرمزية استطاعت ورشة العمل المسرحي في الطائف تلك المجموعة المنسجمة والموهوبة من القبض على اللقطات المفردة وتحويلها إلى إيقاعات بصرية تحاكي العقل وترسم على الوجوه لوحات عشق إنسانية متفردة، "حالة قلق" كانت تجربة مسرحية استثنائية ورائدة ربما لم تستطع أغلب العروض التي قُدمت بموازاتها في مهرجان دمشق المسرحي الرابع عشر أن تقترب من خصوصيتها الإشكالية ونصها الجريء الذي حمل بمشهديته وإيماءاته الساحرة روح الفكاهة والنقد المتوازن والمنطقي، حالة قلق التي وصفها البعض بأجواء مسرحية الفصل الواحد شكلت ارتدادات مباشرة للحوار الجريء وصدقية الفعل والتفاعل في الطرح التراجيدي حيث أظهرت مدى قسوة الواقع على الحياة ومدى التحمل في الاختبار لتغير الصورة المتعاكسة في لعبة البقاء. الناقد والباحث المسرحي السوري أنور محمد قال لثقافة اليوم بعد مشاهدته العرض: هو العقل على المسرح؛عقلٌ بكامل حيويَّته يمارس نشاطه؛ يمارس فكره النقدي. في العرض المسرحي السعودي (حالة قلق) الذي كتبه فهد ردَّة الحارثي وأخرجه أحمد الاحمري في مهرجان دمشق المسرحي الرابع عشر؛ كنا مع العقل؛مع ستَّة أشخاصٍ/ رجالٍ وليس مع ستَّة أشباحٍ تعبيرية يبحثون عن الشجاعة التي تكاد تموت في أعماقهم من كثرة سطوة وقسوة أنياب مصاصي الدماء التي تدمِّرها - تدمِّر شجاعة العقل. وبديكورٍ بسيط فقير إنَّما غني بالإشارات: لباس موحَّد، كراسي موحَّدة، حبال موحَّدة - متَّحدة/ متَّفقة على أنَّ الذي يتكلَّم ؛ ينطق؛ يحكي؛ يقول مايشوف..سيغيبُ، يختفي فتصيرُ الكراسي مقاعد سفر، ومقاعد اعتراف، ومقاعد للتحليق والطيران. وتصير الحبال مراوح، ومشانق، وقيوداً - أغلالاً، وصراطاً مستقيماً - أفعالاً مؤثِّرة يلتقطها المتفرِّج بقليلٍ / بالقليلِ من الإدراك الحسِّي الطبيعي فيرمِّم ما تصدَّع في نفسه من الشجاعة. "حالة قلق" عرضٌ مسرحي سعوديٌ كان مفاجئاً لي ناقداً ومسرحياً كواحدٍ من أقوى العروض المسرحية العربية المشاركة في مهرجان دمشق المسرحي الرابع عشر، ستَّة ممثِّلين يقومون بتقسيم وتجميع شعورهم وإدراكهم بشيءٍ من (جدل)، وشيءٍ من (جمال) كاشفين عن طبيعة إنسانية تدافع عن حريَّتها وكرامتها وهي تقشِّر الصدأ عن العقل الذي وضعه الجلاد في المتحف. أما الناقدة تهامة الجندي فرأت ان العرض كان نخبويا إلى حد بعيد حيث ابتعد عن المباشرة واقترب من الرمزية وقدم مسرح الحياة بكل تجلياتها ومآسيها من خلال أدوات تعبيرية وفكرية اضاءت بإسقاطاتها على الجانب الاجتماعي والسياسي والقومي وصولا إلى صراع الأجيال والعولمة الغربية واستراتيجية الزمن وأثرها النفسي بين الوعي الفكري ونظرية المؤامرة . حبال وكراسي ولعبة مشروطة بإيقاعات الصمت والقلق والحلم المفقود لونها المخرج المبدع احمد الاحمري وأضاء مفرداتها شباب موهوبون بعد أن نسج حكايتها المتألق فهد الحارثي، وبالنهاية وبعيدا عن أي حكم نقدي أو تشريحي فقد استطاع العرض بكل أدواته أن يسجل حضورا ملفتا ويبدد هواجس القلق ويحولها إلى خيوط أمل تعزف لحن الحياة.