التقيت بها وعينيها مملوءة بدموع الحسرة والألم وبدأت حديثها بصوت متهدج وبنبرة حزينة قالت: لقد امتلأت أدراجي بشهادات الشكر وزوايا بيتي بدروع التكريم والامتياز على مدى ربع قرن من الزمان عملت فيها بإخلاص وتفان محتسبة الأجر من الله؛ كنت ولا زلت أستشعر رقابة الحي الذي لا يموت سبحانه.. أغلق باب الفصل هذا الفصل الذي يعبق بالحب ويزهو بالإخلاص وتثمر فيه تربية صغيراتي على كل خلق رفيع وسلوك حسن أيام تتوالى وأنا أعلم أنه لا يراني سوى الذي عينه لا تنام سبحانه؛ لا تلاحقني موجهة بنظراتها ولا مديرة بملاحظاتها؛ كان لقائي اليومي بتلميذاتي بعطاء متجدد وإبداع متميز؛ وفي كل عام أستقبل صغيرات جدداً ولكن مع مشاعر جياشة من تلميذات الأعوام السابقة اللاتي يتعاهدن إلقاء السلام. علي بمصافحة اليد مع ابتسامة صافية بريئة ونظرات متألقة بالحب لمعلمتهن الأولى فطبعهن الوفاء بعكس كثير من الكبار؛ وفي نهاية العام أحصد ثمار جهودي تفوق صغيراتي وشهادات الشكر والتميز لمعلمتهن، ولكن ماذا أفعل بها الآن وأنا أشعر أن كرامتي كمعلمة عند الوزارة مهدرة واحترامي عند إدارة التعليم ضائع؟ هل يحتاج الوضع إلى أن أضع شهادات الشكر ودروع التميز على مكاتبهم ولسان حالي يقول (هذه بضاعتهم ردت إليهم). لا تزال ذكرى فرحتنا كمعلمات ببطاقات الدعوة لحفل التكريم المميز العام الماضي؛ لقد غبطنا جميع الحاضرات لأن مدرستي تضم عدداً كبيراً من المكرمات، ومع بداية هذا العام الدراسي تتوالى التعاميم التي تسببت لنا بالإحباط والألم وتحرم المعلمة من جدولها الذي اكتسبت فيه الخبرات وجهزت له الوسائل وأوراق العمل. إن هذا الإجراء يدمي القلوب ويحزن النفوس ولا نقول إلا ما يرضي الرب (إنا لله وإنا إليه راجعون) اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله وكفى).