من إحدى قضايا الغناء في الجزيرة العربية مسألة استعارة الأصوات العربية (النسائية تحديداً) لتسجيل أغانينا، وقد سجلت في مطالع القرن الماضي إحدى المغنيات الأفريقيات من زنجبار لسلطان عمان بعض الأعمال الخاصة وحين قامت الكويت في نهاية الخمسينيات بتسجيل تراث الغناء الكويتي (شرق وسط الجزيرة العربية) سجلت لبعض المغنيات من رئيسات الفرق الشعبية مثل سعادة البريكي وأم زايد وعودة المهنا مثلما رعى محمد بن فارس ذلك، حيث سجلت على يديه سارة المرزوق بعض الأعمال ولحقتها فاطمة الخضارية، ولكن تجاوب المغنيات العربيات مع الغناء الجديد الذي ابتدعه جيل ذلك الوقت مثل سعود الراشد وأحمد باقر وحمد الرجيب مع حورية سامي ونجاح سلام وخالدة شكل حالة خاصة باتت تتكرر كل مرحلة نهضة في أي بقعة من بقاع الجزيرة العربية، حيث تجاوبت سميرة توفيق وهيام يونس مع طارق عبد الحكيم وجميل محمود، ونازك ووداد مع أبو بكر سالم ثم عزيزة جلال ونعيمة سميح مع ناصر عبد العزيز وجابر جاسم وصولاً إلى مرحلة الثمانينيات، حيث ردم الباب على تلك الاستعارات بحضور المغنية ابتسام لطفي ورباب ولحاق مجموعة تسبق الثانية قليلاً أو تلحقها مباشرة مثل: عالية حسين وسناء الخراز ورابحة وفتاة سلطان ونوال والعنود ثم في مرحلة التسعينيات ظهرت أحلام وريم المحمودي ورويدا المحروقي وسمر وهند وأسيل عمران إلا أن رباب - بعد انقطاع ابتسام لطفي - شكلت صمام أمان بين أصوات توارت وأخرى تظهر لفترة ثم تنزوي بسبب الزواج أو عدم الجدية. ولا يمكن إنكار مساهمة كل المغنيات العربيات في الأغنية الخليجية (المصطلح الدارج للغناء في الجزيرة العربية) ورغم أن الأغنية الخليجية وأصواتها تحولت إلى سلعة بفضل تساهل كوادر إنتاجها وتسويقها فقد سمعنا كل يغني للآخر - بلا مبرر ودون قيمة - نوال ونبيل شعيل يغنيان الجزائري والمصري كذلك عبد المجيد عبد الله وهند يغنيان اللبناني وسمعنا أصواتا كثيرة تغنت بالخليجي مثل ربيع الخولي وراغب علامة وصولاً إلى كارول سماحة ونوال الزغبي وميريام فارس ورامي عياش، ولكن ثبت على مر التاريخ من التجربة وبرهانها أن المغنيات من المغرب العربي أقدرهن على غناء أي لون من الجزيرة العربية، وأعمال كثيرة سمعناها تثبت ذلك من وردة وعزيزة جلال وسميرة سعيد ورجاء بلمليح وذكرى. دون أن نغفل أن كل صوت يشكل ظهور نبوءات لمرحلة جديدة من الغناء الخليجي، وهكذا فعلت وردة عندما أكدت جدية الأغنية الرومانسية لطلال مداح وسراج عمر كذلك عزيزة جلال في ظهور الأغنية الإماراتية، وسميرة سعيد ورجاء بلمليح في نقل أغنية الخليج إلى العرب في الثمانينيات ثم نقلة الأغنية الخليجية ما بعد الحداثة مع ذكرى وتركي وطارق محمد. اليوم، تأتي المغربية الحلوة منى أمرشا، إحدى عضوات برنامج ألبوم MBC لتؤكد أن هناك حركة تجديد سيقودها ملحنون من الخليج يدخلون مضمار الساحة الغنائية بقوة، وهما الملحنان البحريني بدر الذوادي والعماني ماجد المخيني. قدَّم الملحن الذوادي من كلمات عبد الرحمن الحبلان أغنية "إي والله" برغم أن مقامها وإيقاعها دارجين هذه الفترة إلا أن بنية الأغنية معتمدة على الشكل الشعري الرباعي سمح بتقطيع الجملة الغنائية بين الكورال والمغنية وتبادل الأدوار عند كل إعادة أضفى حيوية على أداء اللحن وأعطى طابعاً حوارياً غير مقصود: "إي والله من جد سواها وخلاني - ما أمداني اجلس معاه شوي ممداني مو عادته تزعله كلمة ومن يدري؟ الظاهر إنه تمناها من لساني" وقدَّم لها الملحن العماني ماجد المخيني أغنية "هل يا ترى؟" كلمات: عبد العزيز العبكل مستفيداً من ثراء نبرات الإيقاع المغربي (البطايحي) على الطيران واستطاعت أمرشا الأخذ بكل أسباب الإتقان لإحساسها باللهجة والمزاج اللحني والحالة الإيقاعية بروح خليجية: "هل يا ترى في باله انا ولا لا! اللي خذا روحي وقلبي معاه سالت دموعي وسكنت بأيدي قطع لي قلبي وابتليت بجفاه" تجرؤ ابنة أمرشا على تقديم فتاة لم تعد خليجية فقط بل عربية ذات بعد إنساني تواجه الحبيب وتؤكد أن مرونة الفكر وجنوح الخيال يمكن توظيفها لإرسال خطاب عاطفي مؤثر (يذبح القلب ويقطعه). إن هذه الروح الخليجية وإن كان قد بدأت بلون كويتي حمل أنماط الغناء في شرق ووسط الجزيرة العربية من سواحلها وريفها وصحاراها إلا أنه واكبت مذاقات قريبة منها عراقية وحجازية ويمنية (صنعانية وحضرمية) دفعت بنموذجها ليكون حافزاً لتنهض أغنية بحرينية وإماراتية وسعودية وقطرية وعمانية ويمنية، فتأتينا أصوات تؤكد أنها تعرف كيف تغنينا بروح كما لو كانت من بناتنا..