يتميز هذا الكون بالحركة المنتظمة والمتقنة الدالة على القدرة الإلهية التي تعتبر من آياته سبحان وتعالى، حيث تظهر السماء ليلاً وقد زُينت بالكواكب والنجوم وهي تنتقل من المشرق إلى المغرب في تناسق بديع ناتج عن دوران الأرض حول محورها، ويتفاوت لمعان الأجرام السماوية، ومن أشدها لمعاناً بعد الشمس والقمر كوكب الزهرة الذي طل علينا قبل أيام بعد المغرب على الأفق الغربي بلونه الأبيض الزاهر وعلى يساره كوكب المشترى، عملاق الكواكب ويظهر اصغر من الزهرة لان بُعده حوالي خمسة أضعاف بُعد الزهرة، وقد ازداد هذا الجمال يوم الاثنين الماضي 3ذي الحجة 1429ه بوجود الهلال بالقرب منهما حيث كوَّنت المجموعة ثلاثياً لفت الأنظار حتى الغروب. الدكتور حسن بن محمد باصرة رئيس قسم الفلك والفضاء بجامعة الملك عبد العزيز أوضح أن هذه الظاهرة الفلكية المهمة التي تابعها الكثير في المملكة لاحظنا أن القمر كان تحت الكوكبين بعض الشيء ومع مرور الوقت وتدني الثلاثة من الغروب كان القمر يقترب شيئاً فشيا ليكون بينهما لحظة غروب الجميع، ولو انتقلنا إلى دول غرب السعودية حيث يتأخر فيها الغروب لوجدنا أن القمر قد تعدى الكوكبين وكأنه لا يرغب في ملاقاة الأفق الغربي بل يحاول الابتعاد إلى الشرق ولكن سرعة الابتعاد هذه اقل من سرعة الغروب، وحركة القمر إلى الشرق هي حركته الطبيعية حول الأرض والتي كانت معروفة لدى علمائنا الأوائل وقد استعار ابن دقيق العيد حركة القمر الذاتية باتجاه الشرق بقوله:- الحمدُ لله كم أسموا بعزمي في نيل العُلا وقضاءُ الله ينكسُهُ كأنني البدرُ يبغي الشرق والفلكُ الأعلى يعارضُ مسراه فيعكسه وقال ما تم مشاهدته مع غروب يوم الاثنين الماضي يوضح لنا ظاهرة فلكية نطلق عليها اقتران القمر، والتي يكون فيها القمر بمحاذاة أي جرم آخر أي أن الخط الواصل بينهما يكون عمودياً على اتجاه الحركة، وهو وضع قريب جدا من وضع القمر والزهرة لحظة غروبهما في جدة في تلك الليلة. وأضاف ان اقتران القمر بالنجوم من الظواهر المشاهدة والمستخدمة بشكل دوري وهو ما ندعوه بمنازل القمر مابين النجوم، أما مع الشمس فيحدث الاقتران شهرياً وليس له ساعة معينة فهو يقع في أي ساعة خلال اليوم لكن لا يمكننا مشاهدته لشدة لمعان الشمس إلا في حالة الكسوف إذ يكونان أمام بعضهما وهو ما نعنيه بالاقتران المشاهد مع الشمس. وأشار إلى أن الظاهرة التي تابعناها الأسبوع الماضي ستتكرر الشهر القادم إن شاء الله ولكن بصفة وأبعاد مختلفة، ففي يوم الثلاثاء 2محرم 1430الموافق 30ديسمبر 2008م ستكون الزهرة والقمر والمشترى والشمس قد اصطفت على خط واحد، فلحظة غروب الشمس في جدة يكون فوقها المشترى على ارتفاع 18درجة (خافت الإضاءة) ثم فوقه الهلال على ارتفاع 31درجة ثم كوكب الزهرة على ارتفاع 42درجة، وخط اصطفافهم ليس عموديا على الأفق بل يميل قليلا ناحية الجنوب، وهنا نجد وسيلة ترشد المراقب لتقدير خط عرض المكان الذي يراقب منه هذا الاصطفاف، فعلى سبيل المثال لو كان على خط الاستواء فإنه سيشاهد اصطفاف الأجرام الأربعة عمودياً، أي فوق بعضهم البعض بدون أي ميل لأنه على خط عرض صفر، بينما المشاهد الذي في جدة سيشاهد هذا الاصطفاف وقد مال ناحية الجنوب حوالي 22درجة وهو قريب من خط عرضه، وهكذا فكلما اتجهنا شمالا كلما مال الاصطفاف أكثر ففي القطب ستشاهد هذه الأجرام وقد اصطفت بشكل موازٍ للأفق لان خط العرض 90درجة، وبعد مرور يوم أي مع غروب شمس يوم الأربعاء 3محرم ونتيجة لحركة القمر التقهقرية للشرق فإن القمر سيكون قريباً من كوكب الزهرة للتكرر ظاهرة الاقتران مرة أخرى ويظهر الهلال بالقرب من الزهرة وكلاهما قد ابتعد عن كوكب المشترى، إذ ان تغير موقع المشترى بالنسبة للشمس لا يتغير بسرعة كبيرة مثل القمر والزهرة، وأخيرا فإن ما نرى على صفحة السماء من انتظام في حركة ما هو إلا دلالة على الخالق الحكيم.